[size=21]إن
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونشكره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن
سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليًا
مرشدًا.
وأشهد
أنْ لا إلـه إلا الله وحده لا شريك له، القائل في محكم التنـزيل ﴿وَأَذِّن
فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ
يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾ الحجّ 27 .
وأشهد
أنَّ سيدنا محمدًا عبده ورسوله إمام الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه
على كل رسولٍ أرسله. أما بعد فيا عباد الله أوصي نفسي وأوصيكم بتقوى الله
العلي العظيم اتقوا الله حق تقاته ولا تموتنّ إلا وأنتم مسلمون .
يقول
الله تعالى ﴿وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ
إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾
سورة ءال عمران.
ويقول صلى الله عليه وسلم :" اللهم اغفر للحاج ولمن استغفر له الحاج " بدأت
القوافل تتحضر لسفرٍ وما أعظمه من سفر، سفر الطاعة، سفر وفراق للأحبة
وللوطن وللأولاد والأهل ولكن إلى أين؟ إلى بلد الحبيب صلى الله عليه وسلم ،
الذي هو أغلى من الأحبة والأولاد والأهل وإلى البلد الذي ولد فيه الحبيب
محمد صلى الله عليه وسلم، سفر إلى مكة والمدينة وإلى منى وعرفة ومزدلفة، في
هذه الأيام تثور في نفوس كثير من المسلمين نوازع الشوق فيتوجهون من كل حدب
وصوب من أطراف المعمورة قاصدين الديار المقدسة بلاد الهدى والنور ومهد
نزول الوحي على نبينا الأمين صلى الله عليه وسلم ، مهللين ومكبرين يرددون
خاشعين " لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك
والملك لا شريك لك ".
وقد
حكي أن امرءاة دخلت مكة فجعلت تقول : أين بيت ربي؟ فقيل لها: الآن ترينه
فلما لاح لها البيت وقالوا هذا بيت ربك فاشتدت نحوه فألصقت جبينها بحائط
البيت فما رفعت إلا ميتة. فما أجملها من لحظات إخوة الإيمان عند وقوع البصر
على البيت فقد جاء أنه يستجاب دعاء المسلم عند رؤية الكعبة.
ثم إن الحج أمر من جملة أمور الإسلام المهمة كالصلاة والصيام والزكاة، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بني الإسلام على خمس شهادة أنْ لا إله إلا الله وأنَّ محمدًا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان " وقد جعل الله للحج المبرور مزية ليست للصلاة ولا للزكاة وهي أنه يكفر الكبائر والصغائر لقوله صلى الله عليه وسلم :"من حج فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ". فهنيئًا
لمن حج وكان حجه مبرورًا لذلك احرص أخي المسلم إن كنت قاصدًا الحج هذا
العام على حضور مجالس علم الدين لتعلم أحكام الحج، قبل سفرك تزود من العلم
والمعرفة قبل زاد الطعام والثياب وغير ذلك، فكم وكم من الناس سافروا
وتكلفوا وابتعدوا عن الأهل والوطن ولكن رجعوا ولا حج ولا عمرة لهم بسبب
جهلهم بعلم الدين وقد صدق من قال ما أكثر الضجيج وما أقل الحجيج.
وقد قال العالم الجليل عبد الله الحداد الحضرمي اللقب بالفقيه المقدم:
إن من تكلف الحج شوقًا إلى بيت الله وحرصًا على إقامة الفريضة إيمانه أكمل
وثوابه أعظم وأجزل، لكن بشرط أن لا يضيع بسببه شيئًا من الفرائض، وإلا كان
آثمًا واقعًا في الحرج كمن بنى قصرًا وهدم مصرًا. وهذا كمن يضيع النفقة الواجبة، فقد قال صلى الله عليه وسلم :" كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت "
وهذا عبد الله بن المبارك الذي كان يغزو عامًا ويحج عامًا في عام من أعوام
حجه في سفره إلى الحج وجد في مغارة امرأة تلتقط هرة وتذبحها للأكل، فذكرها
بالآية الكريمة ﴿إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ
الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ
اللّهِ﴾ سورة البقرة ءاية 173، فأجابته بباقي الآية ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾
فلما علم بأنها مضطرة لتطعم أولادها الجياع الذين عضهم الجوع بنابه
وشارفوا على الهلاك ولم يجدوا ما سوى الميتة أعطاها ما كان معه من مال
وطعام إلا ما يكفيه للرجوع إلى بلده ولم يحج تلك السنة، فلما رجع الناس من
الحج جاءوا يهنؤنه بالحج فقال لهم إنه لم يتيسر له هذه السنة فقالوا له كيف
هذا وقد اجتمعنا بك ورأيناك في عرفات وعند الكعبة وفي منى والمسعى .....
فقال أهل العلم هذا ملك أرسل بصورته فحج عنه.
فانظروا رحمكم الله إلى من قدّم الأولى فالأولى وقدّم أمر الضرورات على المستحبات
خـذ العبـر ممـن عبـر *** نـال الظفـر من قـد صبـر وزاده تقـواه
اللهم فقهنا في ديننا وارزقنا الحج والعمرة وزيارة النبيّ صلى الله عليه وسلم .
هذا وأستغفر الله .
الخُطبةُ الثانيةُ
الحمدُ
للهِ نحمَدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونستهْدِيهِ ونشكُرُه ونعوذُ باللهِ
مِنْ شرورِ أنفسِنا وسيّئاتِ أعْمَالِنا مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلا مُضِلَّ
لهُ ومَنْ يُضْلِلْ فلا هادِي لهُ والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ .
عبادَ اللهِ أُوصِيْ نفسِيَ وإيّاكمْ بتقْوَى اللهِ العَليّ العظيمِ ،
واعلَموا أنَّ اللهَ أمرَكُمْ بأمْرٍ عظيمٍ أمرَكُمْ بالصلاةِ والسلامِ على
نبيِهِ الكريمِ فقالَ:﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى
النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا
تَسْلِيماً﴾ اللّـهُمَّ صَلِّ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا
محمَّدٍ كمَا صلّيتَ على سيّدَنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ
وبارِكْ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا بارَكْتَ على
سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ إنّكَ حميدٌ مجيدٌ، يقول الله
تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ
السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ
عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ
سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾،
اللّهُمَّ إنَّا دعَوْناكَ فاستجبْ لنا دعاءَنا فاغفرِ اللّهُمَّ لنا
ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا اللّهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ
الأحياءِ منهُمْ والأمواتِ ربَّنا ءاتِنا في الدنيا حسَنةً وفي الآخِرَةِ
حسنةً وقِنا عذابَ النارِ اللّهُمَّ اجعلْنا هُداةً مُهتدينَ غيرَ ضالّينَ
ولا مُضِلينَ اللّهُمَّ استرْ عَوراتِنا وءامِنْ روعاتِنا واكفِنا مَا
أَهمَّنا وَقِنا شَرَّ ما نتخوَّفُ. عبادَ اللهِ ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ
بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ
الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ
تَذَكَّرُونَ﴾، يعظُكُمْ لعلَّكُمْ تذَكَّرون. اذكُروا اللهَ العظيمَ
يذكرْكُمْ واشكُروهُ يزِدْكُمْ، واستغفروه يغفِرْ لكُمْ واتّقوهُ يجعلْ
لكُمْ مِنْ أمرِكُمْ مخرَجًا، وَأَقِمِ الصلاةَ
[/size]