إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
أما بعد ،
عبادة الله ـ تعالى ـ
يجب أن تكون وفق ما شرع الله ـ سبحانه ـ في كتابه، أو بيَّنه نبيُّه ـ صلى الله عليه وسلم ـ في سنته، لقوله ـ تعالى ـ في سورة الكهف
(1) (فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا).
قال الحافظ ابن كثير:
(2) "وهذان ركنا العمل المتقبل، لا بد أن يكون خالصاً لله، صواباً على شريعة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وروي مثل هذا عن الفُضيل بن عياض ـ رحمه الله ـ وغيره".
وعليه فالعبد مبتلى بالإخلاص لله ـ تعالى ـ فعن جابر ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ:
(3) "من يصعد الثنية ثنية المرار فإنه يحـط عنه ما حـط عن بني إسرائيل".
وكان أول من صعدها خيلنا خيل بني الخزرج ثم تتام الناس ، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ:
(4) "كلكم مغفور له إلا صاحب الجمل الأحمر".
فأتيناه فقلنا: تعال يستغفر لك رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: لأن أجد ضالتي أحب إلي من أن يستغفر لي صاحبكم". [رواه الإمام مسلم]
والعبد مبتلى بالاتباع ـ اتباع نبيه محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال ـ تعالى ـ في سورة آل عمران:
(5) (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ)
فيحرم على المسلم الابتداع في دين الله ـ تعالى ـ. قال رسـول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ:
(6) "قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك ومن يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بما عرفتم من سنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وعليكم بالطاعة وإن عبداً حبشياً فإنما المؤمن كالجمل الأنف حيثما قيد انقاد". ["الصحيحة" (937)]
فأخبر ـ صلى الله عليه وسلم ـ في هذا الحديث عن حصول الاختلاف قريباً من زمنه، وأنه يصير كثيراً، وأن من عاش من أصحابه يرى ذلك، ثم أرشد إلى ما فيه العصمة والسلامـة، وهو اتباع سنته وسنة الخلفاء الراشدين.
و عن أبي ذر قال:
(7) "تركنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وما طائر يطير بجناحيه إلا عندنا منه علم". [أخرجه ابن حبان في "صحيحه"]
قصد بذلك ما جاء في حكم تحريم أكل ذي مخلب من الطير، وما أخبر ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن حق التوكل على الله في الرزق. وقال: قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ:
(8) "ما بقي من شيء يقرب من الجنة، ويباعد من النار إلا وقد بُيِّن لكم". ["الصحيحة" (1803)]
وله شاهد من رواية عمرو عن المطلب مرفوعاً:
(9) " إنه ليس شيء يقربكم إلى الجنة إلا قد أمرتكم به وليس شيء يقربكم إلى النار إلا قد نهيتكم عنه". ["الصحيحة" (2866)]
وروى الإمام البخاري ، ومسلم ـ وهذا لفظه ـ عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أنه سمع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول:
(10) "ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم ؛ فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم".
ثم أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الوقت الذي دل فيه على السلامة باتباع سنته ، أرشد إلى ترك البدع والمحدثات، وحذَّر ورهَّب من إتيانها، فكان حريصاً أن لا يترك ذلك، وأكَّدها في خطبه فكان يقول:
(11) "وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة".
فيجب على المسلم أن يكون مخلصـاً لربه ـ عز وجل ـ ومتبعاً لنبيه ـ صلى الله عليه وسلـم. بعيداً كل البعد عن البدعة لأن كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وحذر الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ وبقية السلف من البدعة، وكذا التابعون لهم بإحسان، ولهم في ذلك آثار كثيرة، قال عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنهما ـ:
(12) "إن أبغض الأمور إلى الله البدع".
وقال معاذ بن جبل ـ رضي الله عنه ـ:
(13) "فإياكم وما يبتدع، فإن ما ابتدع ضلالة". [رواه أبو داود]
وقال سهل بن عبد الله التستري:
(14) "ما أحدث أحد في العلم شيئاً إلا سئل عنه يوم القيامة، فإن وافق السنة سلم، وإلا فلا".
فالبدعة خطر عظيم، استحق صاحبها بسببها العذاب الأليم، قال ـ تعالى ـ في سورة النور: (15) (فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)
فالمبتدع مفتون برأيه السقيم، متهم لنبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ زين له سوء عمله فرآه حسناً، فهو لا يتوب ما دام يراه حسناً، لذا قال سفيان الثوري:
(16) "إن البدعة أحب إلى إبليس من المعصية، لأن البدعة لا يتاب منها، والمعصية يتاب منها".
وقال:
(17) "كانوا يتعوذون بالله من شر فتنة العالم، ومن شر فتنة العابد الجاهل؛ فإن فتنتهما فتنة لكل مفتون".
والجهل بدين الله ـ تعالى ـ بريد البدعة، فكل بدعة في الدين محرمة وضلالة، سواء كانت بدعة قولية عقدية كمقالات الفرق الضالة واعتقاداتهم من خوارج، أو معتزلة، أو شيعة، أو أشعرية. أو بدعة في العبادات كتعبد الله بعبادة لم يشرعها وليس لها أصل في الشرع.
وليس لأحد من أهل البدع أن يجعل بدعته حسنة لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "وكل بدعة ضلالة". فمن رأى بدعته حسناً ـ جهلاً أو كيداً ـ فقد زعم أن النبي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما قال الإمام مالك ـ
(18) "قد خان الرسالة؛ لأن الله يقول:
(19) (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ)
فما لم يكن يومئذ ديناً فلا يكون اليوم ديناً".
ومن زعم أن قصده فيما أحدث حسن، فعمله مردود غير مقبول، فلا بد من إصابة السنة لقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيما رواه مسلم وغيره ـ وهذا لفظه ـ:
(20) "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد".
فالصحابي الذي ذبح أضحيته قبل صلاة العيد قال له النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ:
(21) "شاتك شاةُ لحم".
وكان مما قاله عبد الله بن مسعود لأناس تحلقوا في المسجد يذكرون الله على غير هدي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ:
(22) "ما هذا الذي تصنعون؟ والذي نفسي بيده إنكم لعلى ملة هي أهدى من ملة محمد، أو مفتتحوا باب ضلالة؟!
قالوا: والله يا أبا عبد الرحمن! ما أردنا إلا الخير. قال:
(23) وكم من مريد للخير لن يصيبه".
وانتهى حال هؤلاء الذين ما أرادوا إلا الخير ـ زعموا ـ إلى مطاعنة المسلمين يوم النهروان.
والبدعة بريد الكفر ـ كما قال العلماء ـ فمن البدع القولية ما يكون كفراً، كدعاء أصحاب القبور، وطلب الغوث منهم، وسؤالهم قضاء الحاجات، وكشف الكربات، وغير ذلك مما لا يطلب إلا من الله كما قال الله ـ عز وجل ـ:
(24) (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا)
لذلك حذر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ورهَّب من طريقة اليهود والنصارى في العبادة التي أخرجتهم من ملة الإسلام، فكان يردد وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة ناصحاً أمته:
(25) "قاتل الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد". [رواه أبو داود]
وفي رواية لمسلم:
(26) "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد".
فالمبتدعة جهلة بدين الله ـ تعالى ـ مقلدة، متعصبة، متحزبة، والمصيبة كل المصيبة أن يستفتى من لا علم عنده، فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ :
(27) "سيأتي على الناس سنوات خداعات يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة. قيل وما الرويبضة؟ قال: الرجل التافه؛ يتكلم في أمر العامة". ["الصحيحة" (1887)].
والمبتدعة أصحاب هوى ، قال ـ تعالى ـ في سورة القصص:
(28) (فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنْ اللَّهِ)
فهؤلاء قـوم تعـددت أسماؤهم، وتوحدت أهواؤهم، شعاراتهم مختلفة وقلوبهم على الباطل مؤتلفة، يوجدون حيث توجد المصلحة، يفرقون وهم يحسبون أنهم يجمعون، هؤلاء عرفوا الحق ولكنهم أضافوا إليه باطلاً من عند أنفسهم، ولذلك تعرف منهم وتنكر، فإن في طريقتهم المعروف والمنكر، والسنة والبدعة، فهم لا يضبطون حركاتهم وسكناتهم بالضوابط الشرعية، أولئك أهل الأهواء فاحذروهم.
والمبتدعة أصحاب فرقة وافتراق، فرقوا الأمة، وافترقوا عن الجماعة، قال ـ تعالى ـ في سورة الأنعام:
(29) (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ)
إن أخطر ما تواجهه الأمة اليوم هم أهل الأهواء والبدع فما أعجب تدينهم، فدينهم إما: أهواء متبعة، أو رهبانية مبتدعة، والخطير في المسألة أنهم يتشبهون بالعلماء وليسوا منهم، ولا شك أن إفساد أهل الهوى والبدع أعظم من إفساد العدو من أهل الحرب.
قال ابن تيمية ـ رحمه الله ـ:
(30) "ودفع بغي هؤلاء وعدوانهم على ذلك واجب على الكفاية باتفاق المسلمين، ولولا من يقيمه الله لدفع ضرر هؤلاء لفسد الدين، وكان فساده أعظم من فساد استيلاء العدو من أهل الحرب، فإن هؤلاء إذا استولوا لم يفسدوا القلوب وما فيها من الدين إلا تبعاً، وأما أولئك فهم يفسدون ابتداء".
فاحذر الشعارات البرَّاقة، قال ابن تيمية:
(31) "بل الفتنة بحال هؤلاء المبتدعة أعظم، فإن فيهم إيماناً يوجب موالاتهم، وقد دخلوا في بدع المنافقين التي تفسد الدين، فلا بد من التحذير من تلك البدع وإن اقتضى ذلك ذكرهم وتعيينهم".