النذر المباح : سبق أن ذكرنا أنه يصح النذر إذا كان قربة ، ولا يصح إذا كان معصية . وأما النذر مباح مثل أن يقول : لله علي أن أركب هذا القطار أو ألبس هذا الثوب ، فقد قال جمهور العلماء : ليس هذا بنذر ولا يلزم به شئ . روى أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم نظر وهو يخطب إلى أعرابي قائم في الشمس فقال : ما شأنك ؟ قال : نذرت أن لا أزال في الشمس حتى يفرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخطبة . فقال الرسول : ( ليس هذا بنذر ، إنما النذر فيما ابتغي به وجه الله ) . وقال أحمد : ينعقد ، والناذر يخير بين الوفاء وبين تركه ، وتلزمه الكفارة إذا تركه . ورجح هذا صاحب الروضة الندية فقال : النذر المباح يصدق عليه مسمى النذر ، فيدخل تحت العمومات المتضمنة للامر بالوفاء به ، ويؤيد ذلك ما أخرجه أبو داود : ( أن امرأة قالت : يا رسول الله إني نذرت إذا انصرفت من غزوتك سالما أن أضرب على رأسك بالدف ، فقال لها : أوفي بنذرك ) وضرب الدف إذا لم يكن مباحا فهو إما مكروه أو أشد من المكروه ، ولا يكون قربة أبدا . فإن كان مباحا فهو دليل على وجوب الوفاء بالمباح ، وإن كان مكروها فالاذن بالوفاء به يدل على الوفاء بالمباح بالاولى . النذر المشروط وغير المشروط : والنذر قد يكون مشروطا ، وقد يكون غير مشروط . فالاول : هو التزام قربة عند حدوث نعمة أو دفع نقمة . مثل : إن شفى الله مريضي فعلي إطعام ثلاثة مساكين ، أو : إن حقق الله أملي في كذا فعلي كذا . فهذا يلزم الوفاء به عند حصول المطلوب . والثاني : النذر المطلق ، وهو أن يلتزم ابتداء بدون تعليق على شئ ، مثل : لله علي أن أصلي ركعتين . فهذا يلزم الوفاء به ، لدخوله تحت قوله صلى الله عليه وسلم : ( من نذر أن يطيع الله فليطعه ) . النذر للاموات : وفي كتب الاحناف : أن النذر الذي يقع للاموات من أكثر العوام وما يؤخذ من الدراهم والشمع والزيت ونحوها إلى ضرائح الاولياء الكرام تقربا إليهم ، كأن يقول : يا سيدي فلان ، إن رد غائبي أو عوفي مريضي أو قضيت حاجتي فلك من النقد أو الطعام أو الشمع أو الزيت كذا ، فهو بالاجماع باطل وحرام لوجوه ، منها : 1 - أنه نذر لمخلوق ، والنذر للمخلوق لا يجوز ، لانه عبادة ، وهي لا تكون إلا لله . 2 - أن المنذور له ميت ، والميت لا يملك . 3 - أنه إن ظن أن الميت يتصرف في الامور دون الله تعالى فاعتقاده ذلك كفر والعياذ بالله . اللهم إلا أن يقول : يا ألله ، إني نذرت لك إن شفيت مريضي أو رددت غائبي أو قضيت حاجتي أن أطعم الفقراء الذين بباب الولي الفلاني ، أو أشتري حصرا لمسجد أو زيتا لوقوده أو دارهم لمن يقوم بشعائره . . . إلى غير ذلك مما فيه نفع للفقراء والنذر لله عزوجل . وذكر الولي إنما هو محل لصرف النذر لمستحقيه القاطنين برباطه أو مسجده . فيجوز بهذا الاعتبار . ولا يجوز أن يصرف ذلك لغني ولا لشريف ولا لذي منصب أو ذي نسب أو علم ما لم يكن فقيرا . ولم يثبت في الشرع جواز الصرف للاغنياء .