شروط البيع لابد من أن يتوافر في البيع شروط حتى يقع صحيحا ، وهذه الشروط : منها ما يتصل بالعاقد ، ومنها ما يتصل بالمعقود عليه ، أو محل التعاقد ، أي المال المقصود نقله من أحد العاقدين إلى الاخر ، ثمنا أو مثمنا ، أي مبيعا ( 1 ) .
( ( 1 ) الثمن : ما لا يبطل العقد بتلفه ويصح إبداله والتصرف فيه قبل القبض وهو المتصل بالباء في الغالب . المبيع : هو ما لا يبطل العقد بتلفه واستحقاقه ويفسخ معيبه ولا يبدل إذ يصير بيع ما ليس عنده .
شروط العاقد : أما العاقد فيشترط فيه العقل والتمييز فلا يصح عقد المجنون ولا السكران ولا الصبي غير المميز . فإذا كان المجنون يفيق أحيانا ويجن أحيانا كان ما عقده عند الافاقة صحيحا وما عقده حال الجنون غير صحيح . والصبي المميز عقده صحيح ، ويتوقف على إذن الولي ، فإن أجازه كان معتدا به شرعا .
شروط المعقود عليه : وأما المعقود عليه فيشترط في ستة شروط : 1 - طهارة العين . 2 - الانتفاع به . 3 - ملكية العاقد له . 4 - القدرة على تسليمه . 5 - العلم به . 6 - كون المبيع مقبوضا . وتفصيل ذلك فيما يأتي : 1 - الاول : أن يكون طاهر العين ، لحديث جابر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والاصنام . فقيل : يا رسول الله : أرأيت شحوم الميتة ، فإنه يطلى بها السفن ، ويدهن بها الجلود ، ويتصبح بها الناس . فقال : لا ، هو حرام . والضمير يعود إلى البيع ، بدليل أن البيع هو الذي نعاه الرسول على اليهودي في الحديث نفسه . وعلى هذا يجوز الانتفاع بشحم الميتة بغير البيع فيدهن بها الجلود ويستضاء بها وغير ذلك مما لا يكون أكلا أو يدخل في بدن الادمي . قال ابن القيم في أعلام الموقعين : ( في قوله صلى الله عليه وسلم ( حرام ) قولان : أحدهما : أن هذه الافعال حرام . والثاني : أن البيع حرام . وإن كان المشتري يشتريه لذلك . والقولان مبنيان على أن السؤال : هل وقع عن البيع لهذا الانتفاع المذكور ، أو عن الانتفاع المذكور ؟ والاول اختاره شيخنا . وهو الاظهر . لانه لم يخبرهم أولا عن تحريم هذا الانتفاع حتى يذكروا له حاجتهم إليه ، وإنما أخبرهم عن تحريم البيع فأخبروه أنهم يبيعونه لهذا الانتفاع فلم يرخص لهم في البيع ولم ينههم عن الانتفاع المذكور ، ولا تلازم بين عدم جواز البيع وحل المنفعة ) اه . ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك : ( قاتل الله اليهود ، إن الله لما حرم شحومها جملوه ( 1 ) ثم باعوه وأكلوا ثمنه ) . والعلة في تحريم بيع الثلاثة الاولى ، هي النجاسة عند جمهور العلماء ، ( 2 ) فيتعدى ذلك إلى كل نجس . ( 1 ) جملوه ، أي : أذابوه . ( 2 ) يراجع التحقيق في نجاسة الخمر في الجزء الاول من فقه السنة . والظاهر أن تحريم بيعها لانها تسلب الانسان أعظم مواهب الله له وهو العقل فضلا عن أضرارها الاخرى التي أشرنا إليها في الجزء التاسع . وأما الخنزير فمع كونه نجسا إلا أن به ميكروبات ضارة لا تموت بالغلي وهو يحمل الدودة الشريطية التي تمتص الغذاء النافع من جسم الانسان . وأما تحريم بيع الميتة فلانها غالبا ما يكون موتها نتيجة أمراض فيكون تعاطيها مضرا بالصحة ، فضلا عن كونها مما تعافه النفوس . وما يموت فجأة من الحيوانات فإن الفساد يتسارع إليه لاحتباس الدم فيه . والدم أصلح بيئة لنمو الميكروبات التي قد لا تموت بالغلي . ولذلك حرم الدم المسفوح أكله وبيعه لنفس الاسباب . واستثنى الاحناف والظاهرية كل ما فيه منفعة تحل شرعا فجوزوا بيعه ، فقالوا : يجوز بيع الارواث والازبال النجسة التي تدعو الضرورة إلى استعمالها في البساتين ، وينتفع بها وقودا وسمادا . وكذلك يجوز بيع كل نجس ينتفع به في غير الاكل والشرب كالزيت النجس يستصبح به ويطلى به . والصبغ يتنجس فيباع ليصبغ به ونحو ذلك ، مادام الانتفاع به في غير الاكل . روى البيهقي بسند صحيح أن ابن عمر سئل عن زيت وقعت فيه فأرة فقال : ( استصبحوا به وادهنوا به وأدمكم ) . ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم على شاة ليمونهة فوجدها ميتة ملقاة فقال : هلا أخذتم إهابها فدبغتموه وانتفعتم به . فقالوا : يا رسول الله إنها ميتة . فقال : إنما حرم أكلها . ومعنى هذا أنه يجوز الانتفاع في غير الاكل . وما دام الانتفاع بها جائزا فإنه يجوز بيعها مادام القصد بالبيع المنفعة المباحة ( 1 ) .
2 - الثاني : أن يكون منتفعا به ، فلا يجوز بيع الحشرات ولا الحية والفأرة إلا إذا كان ينتفع بها . ويجوز بيع الهرة والنحل وبيع الفهد والاسد وما يصلح للصيد أو ينتفع بجلده ، ويجوز بيع الفيل للحمل ويجوز بيع الببغاء والطاووس والطيور المليحة الصورة ، وإن كانت لا تؤكل ، فإن التفرج بأصواتها والنظر إليها غرض مقصود مباح ، وإنما لا يجوز بيع الكلب لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، وهذا في غير الكلب المعلم وما يجوز اقتناؤه ككلب الحراسة وككلب الزرع ، فقد قال أبو حنيفة بجواز بيعه ، وقال عطاء والنخعي : يجوز بيع كلب الصيد دون غيره لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب إلا كلب صيد . رواه النسائي عن جابر . قال الحافظ : ورجال إسناده ثقات . وهل تجب القيمة على متلفه ؟ قال الشوكاني : فمن قال بتحريم بيعه قال بعدم الوجوب . ومن قال بجوازه قال بالوجوب . ومن فصل في البيع فصل في لزوم القيمة . وروي عن مالك أنه لا يجوز بيعه وتجب القيمة . وروي عنه أن بيعه مكروه فقط . وقال أبو حنيفة : يجوز بيعه ويضمن متلفه .
بيع آلات الغناء : ويدخل في هذا الباب بيع آلات الغناء . فإن الغناء في مواضعه جائز والذي يقصد به فائذة مباحة حلال ، وسماعه مباح ، وبهذا يكون منفعة شرعية يجوز بيع آلته وشراؤها لانها متقومه . ومثال الغناء الحلال : 1 - تغني النساء لاطفالهن وتسليتهن . 2 - تغني أصحاب الاعمال وأرباب المهن أثناء العمل للتخفيف عن متاعبهم والتعاون بينهم . 3 - والتغني في الفرح إشهارا له . 4 - والتغني في الاعياد إظهارا للسرور . 5 - والتغني للتنشيط للجهاد . وهكذا في كل عمل طاعة حتى تنشط النفس وتنهض بحملها . والغناء ما هو إلا كلام حسنه حسن وقبيحه قبيح ، فإذا عرض له ما يخرجه عن دائرة الحلال كأن يهيج الشهوة أو يدعو إلى فسق أو ينبه إلى الشر أو اتخذ ملهاة عن الطاعات ، كان غير حلال . فهو حلال في ذاته وإنما عرض ما يخرجه عن دائرة الحلال . وعلى هذا تحمل أحاديث النهي عنه .
والدليل على حله : 1 - ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما عن عائشة ، رضي الله عنها ، أن أبا بكر دخل عليها وعندها جاريتان تغنيان وتضربان بالدف ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم مسجى بثوبه فانتهرهما أبو بكر ، فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهه وقال : ( دعهما يا أبا بكر فإنها أيام عيد ) . 2 - ما رواه الامام أحمد والترمذي بإسناد صحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج في بعض مغازيه فلما انصرف جاءته جارية سوداء فقالت : يا رسول الله إني كنت نذرت إن ردك الله سالما أن أضرب بين يديك بالدف وأتغنى . قال : ( إن كنت نذرت فاضربي ) . فجعلت تضرب . 3 - ما صح عن جماعة كثيرين من الصحابة والتابعين أنهم كانوا يسمعون الغناء والضرب على المعازف . فمن الصحابة : عبد الله بن الزبير ، وعبد الله بن جعفر وغيرهما . ومن التابعين : عمر بن عبد العزيز ، وشريح القاضي ، وعبد العزيز بن مسلمة ، مفتي المدينة وغيرهم . 3 - الثالث : أن يكون المتصرف فيه مملوكا للتعاقد ، أو مأذونا فيه من جهة المالك ، فإن وقع البيع أو الشراء قبل إذنه فإن هذا يعتبر من تصرفات الفضولي .