تفسير ذكوري
وتهاجم العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية الدكتورة آمنة نصير التفسير الذكوري للقوامة «القائم على عادات اجتماعية ظالمة تتناقض مع مراد الله وتوصيات رسوله صلى الله عليه وسلم للرجال المؤمنين بأن يتقوا الله في النساء. وبالفهم الصحيح للقوامة تسير سفينة الحياة حين تكون القوامة حقاً للرجل وواجباً عليه وليست امتيازاً ولا تشرفاً له، بل هي تكليفً يحاسبه الله عليه في الآخرة .
أما من يرون القوامة تمييزاً وسطوة فهم آثمون شرعاً لمخالفتهم التقرير الإلهي بالمساواة في قوله تعالى: «فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض " (آية ١٩٥ آل عمران ). وقوله أيضاً: «من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون». (آية ٩٧ سورة النحل) .
ولهذا نحذر من المفهوم الخاطئ للقوامة الذي أدى إلى إباحة القانون الإنكليزي للرجل أن يبيع زوجته، وظلت المرأة الغربية عامة منقوصة الحقوق حتى بداية القرن العشرين، ومازالت تنسب إلى زوجها حتى اليوم، أما في الإسلام فتنسب الى أهلها الحقيقيين».
وتنهي نصير كلامها بالتأكيد أن «التكريم الإلهي ليس بالنوع أو الجنس الذي ليس للإنسان دخل فيه، بل إنه اختيار إلهي تترتب عليه مسؤوليات متكاملة. والمعيار الوحيد للتفضيل بين البشر هوالتقوى، وهذا ما يؤكده القرآن في قوله تعالى: « يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير» (آية ١٣ سورة الحجرات).
وكل من الجنسين محاسب أمام الله عن أفعاله في الآخرة، وبالتالي ننصح الرجال أن يحسنوا فهم القوامة ويقوموا بمتطلباتها قبل أن يندموا في الآخرة حيث يقول الله تعالى: «ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيراً» (آية ١٢٤ سورة النساء).
تكليف
وتؤكد عميدة كلية الدراسات الإسلامية في القاهرة – جامعة الأزهر الدكتورة عفاف النجار أن الإسلام «ينظر إلى المرأة باعتبارها إنساناً قبل كل شيء له حقوقه، لأنها خلقت من العنصر نفسه الذي خلق منه شقيقها الرجل، ولهذا فهما مشتركان في الإنسانية وهذا ما وصفه الله تعالى بقوله: «يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً» (آية ١ سورة النساء) .
ولهذا جعل الله القوامة تكليفاً يقتضي أخلاقاً كريمة وواجبات يقوم بها الرجل طواعية بمقتضى فطرته السوية في رعاية النساء المنتسبات إليه أو ما يطلق عليه العامة «العرض»، وبالتالي مخطئ من يظن أنها سيادة واستبداد من القوي على الضعيف، كما يفعل بعض الجهلاء الذين لا يفهمون أن «القوامة» التي يقصدها الله لابد أن تكون مبنية على الشورى والتفاهم».
وعرضت النجار نماذج من حياة الرسول صلى الله عليه وسلم مع النساء بوجه عام وليس مع أهله فحسب، فقالت: «من يريد معرفة القوامة في أفضل صورها فليقرأ سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكيفية تعامله مع النساء عامة وزوجاته وقريباته خاصة.
فقد حقق القوامة بمعناها الحقيقي. ووصفت السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها تعامله معها ومع بقية زوجاته بقولها: «إذا كان صلى الله عليه وسلم في بيته يكون في مهنة أهله»، أي يساعدهن في ما يقمن به من أعمال حتى إنه كان يخيط ثوبه وينظف نعله. ويوم اشتد الخلاف بين الرسول وأصحابه في عمرة الحديبية أخذ بمشورة السيدة أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها، وقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: «يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أبوك» .
وروت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها «أن فتاة دخلت عليها فقالت: إن أبي زوجني ابن أخيه ليرفع بي خسيسته وأنا كارهة قالت: اجلسي حتى يأتي النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فأرسل إلى أبيها فدعاه فجعل الأمر إليها فقالت: يا رسول الله قد أجزت ما صنع أبي، ولكن أردتُ أن أعْلَمَ أللنساء من الأمر شيء». ونحن مأمورون بأن نتبع الرسول صلى الله عليه وسلم فقال تعالى: «لَقَد كَان لَكم فِي رسولِ الله أُسوة حسنة »(آية ٢١ سورة الأحزاب).
View Pictures
توصية بالنساء
من جهته، أيد عميد كلية الدراسات الإسلامية في بني سويف - جامعة الأزهر الدكتور عبد الحي عزب الاجتهاد الجديد، مؤكداً أن «معنى الآية يحتمل ذلك إذا فهمت في ضوء الأحاديث النبوية التي تحث على الرفق بالنساء، ومنها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رفقاً بالقوارير»، وهذا نوع من التوصية بالنساء.
ووصفهن بالقوارير دليل على حاجتهن إلى الرفق والرحمة بهن لما خلقهن الله عليه من الرقة التي تتطلب من الرجال اللين في التعامل معهن ورعاية مصالحهن، وخاصة إذا كن قريبات أو زوجات. ولعلنا هنا نستلهم تلك الروح من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الرجل في أهله راعٍ ومسؤول عن رعيته».
وأوضح الرئيس السابق للجنة الفتوى في الأزهر الشيخ جمال قطب أن «القوامة في الإسلام تكليف لا تشريف، وبالتالي من أحسن القيام بها وبضوابطها فله الأجر العظيم من الله في الدنيا والآخرة، وإن قصر فإن العقاب الإلهي ينتظره باعتباره قاطع رحم ومفرطاً في الأمانة التي أئتمنه الله عليها، وهذا ما حذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: «إن الله سائل كل راعٍ عما استرعاه حفظ أم ضيع»، وقوله أيضاً: «كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول».
ولهذا فإن القوامة بمفهومها الراشد وسيلة للتقرب إلى الله الذي أمرنا بالرفق وعدم ظلم الفئات المستضعفة التي على الرجل رعايتها، وفي مقدمها النساء القريبات من الرجل وليس زوجته فحسب.
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: «الراحمون يرحمهم الرحمن» وقوله «ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء».