راسة علمية حول الحديث المدرج
الحديث المدرج
تعريف الحديث المدرج
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الإمام الذهبي -رحمه الله تعالى-:
المُدرج هي ألفاظ تقع من بعض الرواة متصلة بالمتن، لا يبين للسامع، إلا أنها من صلب الحديث، ويدل دليل على أنها من لفظ الراوي بأن يأتي الحديث من بعض الطرق بعبارة تفصل هذا من هذا .
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
هذا النوع من الحديث مما يتعلق بالإدراج في المتن، والإدراج في المتن نوع من أنواع العلة في الحديث، لا يكتشف إلا بعد النظر في متونه وجمع طرقه.
وعرَّف المؤلف هذا النوع بتعريف بيَّن فيه أن الإدراج عبارة عن ألفاظ، وهذه الألفاظ هي الأقوال، فدل ذلك على أن الإدراج لا يكون في الأفعال، إنما هو خاص بالأقوال، ثم ذكر أن هذه الألفاظ يضيفها بعض الرواة.
والرواة ها هنا يشمل الصحابي فمن دونه، فإذا أضاف الصحابي قولا له، أو أضيف إلى الحديث شيء من قول الصحابي، أضيف إلى الحديث المرفوع شيء من قول الصحابي فهو مدرج، وإن أضيف إلى الحديث شيء من قول التابعي فهو مُدْرَج، وإن أضيف شيء من قول أتباع التابعين إلى الحديث فهو مُدْرَج، وكذلك لو أضيف شيء من قول التابعي إلى قول الصحابي، أو من قول أتباع التابعين إلى قول التابعي.
فهذا كله يعتبر من الإدراج الذي يضيفه بعض الرواة، والإدراج من بعض الرواة -كما سلف- يشمل الصحابي فمَن دونه فمثلا.
والإدراج من بعض الرواة -كما سلف- يشمل الصحابي فمن دونه، فمثلا: حديث أبي هريرة: من كان مصليا منكم بعد الجمعة فليصل أربعًا، فإن كان له شغل صلى في بيته ركعتين، وفي المسجد ركعتين .
هذا الحديث إذا نظر إليه الناظر، ظنَّ أنه من كلام النبي -صلى الله عليه وسلم- كله، بينما التابعي أدرج في هذا الحديث، التابعي الذي هو أبو صالح عن أبي هريرة، أدرج في هذا الحديث، أو تبين ليس هو المدرِج، وإنما أدرج بعض الرواة، لكن تبين أن قوله: فإن كان له شغل صلى أن هذا من كلام أبي صالح، فهذا من الكلام المدرج من بعض الرواة، الذي هو التابعي، إلى كلام النبي صلى الله عليه وسلم.
ومثله حديث الزهري عن أنس -رضي الله عنه-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دَخَل مكة وعلى رأسه المِغْفَر، وهو غير محرم، فقيل له: إن ابن خطل المتعلق بأستار الكعبة. فقال: اقتلوه
فقوله: وهو غير محرم هذا إدراج في وسط المتن، وهذه الكلمة إنما هي من كلام الزهري، أو من كلام مالك بن أنس الراوي عن الزهري، فهو إدراج من كلام التابعي، أو من كلام تابع التابعي، وهذا إدراج في وسط المتن، حديث أبي صالح الذي تقدم: إدراج في آخر المتن، ومثله -أيضًا- الصحابي: إذا أدرج من كلامه شيئا في كلام النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهذا ستأتي أمثلته -إن شاء الله- في بعض ما يأتي.
فالشاهد أن: بعض رواة هذه الكلمة، تشمل الصحابي فمن دونه، فإذا أُضيف شيء ليس من كلام النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى المرفوع -فهذا يسمى مدرَجًا، وإذا أُضيف إلى الموقوف ما ليس من كلام الصحابي -فهو يسمى مدرَجًا، وكل من أُضيف على كلامه كلام، ليس من كلامه-فيعتبر إدراجًا في كلامه.
وقوله: "متصلة بالمتن". هذا قوله: "متصلة" سواءً كان هذا الاتصال في أول الحديث، أو في وسطه، أو في آخره. وقوله: "متصلة بالمتن". المتن هذا -أيضًا- يشمل الموقوف والمرفوع، فإذا أُضيف إلى المرفوع شيء سُمِّي المضاف إدراجًا، وإذا أضيف إلى الموقوف شيء سمي المضاف مدرَجًا.
فمثلًا: حديثُ عائشة -رضي الله عنها- أنها كانت قالت: يكون علَيَّ أيامٌ من رمضان فلا أقضيها إلا في شعبان؛ للشغل برسول الله صلى الله عليه وسلم
هذا كلام عائشة -رضي الله تعالى عنها- موقوف.
فقولها أو ما ورد في هذا الأثر، "للشغل برسول الله -صلى الله عليه وسلم-". هذا ليس من كلام عائشة وإنما هو مدرَج، وإنما هو من كلام يحيي بن سعيد الأنصاري، إن هذا الحديث جاء من رواية -يعني متصلًا بالإدراج من رواية- زهير عن يحيي بن سعيد، عن أبي سلمه عن عائشة -رضي الله عنها-، لكن بينت رواية ابن جريج عن يحيي بن سعيد، أن هذا من كلام يحيي بن سعيد؛ لأنه جاء في الحديث: قال يحيي بن سعيد: "فما ظننت إلا أن ذلك لمكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منها".
فهذا إدراج على كلام عائشة، وسمَّاه العلماء مدرَجًا، كما سمَّوا ما أُدْرِج على كلام النبي -صلى الله عليه سلم- مدرجًا، وقد يأتي -أيضًا- ذلك حتى في غير الموقوف على الصحابة، بل على مَن دونهم، وهذا كما في كتاب عمر بن عبد العزيز، لما كتب إلى أبي بكر بن حزم: يأمره بأن يكتب حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ وقال: "خشيت من دروس العلم وذهاب العلماء". الإمام البخاري - رحمه الله - ذكر هذا الكلام ثم أدرج، أو قال كلامًا من نفسه مدرجا: "ولا تنقل إلا حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولتفتشوا العلم، ولتجلسوا حتى يعلم مَن لا يعلم".
فقوله: "ولا تنقل إلا حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-". هذا ليس من كلام عمر بن عبد العزيز، وإنما هو مدرج من كلام البخاري -رحمه الله- على كلام عمر بن عبد العزيز، قد بين هذا الإدراج الإسماعيلي في مستخرجه، والبخاري في...، وابن حجر في "تغليق التعليق".
ذكروا: "أن هذا من كلام البخاري" فهو إدراج على كلام عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه- وليس هو صحابيًّا، فدل ذلك على أن الإدراج يشمل الجميع. وقوله: "لا يبين إلا أنها من صلب الحديث". هذا يدل على شدَّة اتصال اللفظة المدرجة بالحديث، على معنى أن النَّاظر في هذا الحديث، يظن أنه مرفوع، وهذا الظن، أو هذا النظر، أو هذا الحكم إنما هو ابتداءً، إذا نَظَر إلى الحديث ابتداء ظن أنه كله حديث واحد، بينما هو فيه شيء من كلامه -صلى الله عليه وسلم-، أو من كلام الصحابي أو من دونه، وشيء من كلام الراوي.
ثم ذكر المؤلف -رحمه الله - ما يُستدل به على الإدراج، أو ما يعرف به الإدراج، فذكر أمرًا واحدًا: وهو أن الحديث يأتي من طريق آخر، هذه الطريق الأخرى تفصل، أو فيها تفصيل بين المرفوع، أو بين ما هو من صلب المتن وبين ما هو مدرج فيه، وهذه الأكثر عند أهل العلم أنهم يستدلون بهذا: إذا جاء الحديث من طريق بحثوا عن طُرقه الأخرى، فتتبين لهم بعد البحث أن هذه الطريق، أو هذه اللفظة التي بذلك الطريق، إنما هي مدرجة.
هذا هو الأكثر في معرفة النوع المدرج، فمثلًا: حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: أسبغوا الوضوء، ويلٌ للأعقاب من النار.
حديث أبي هريرة مرفوع عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: أسبغوا الوضوء؛ ويل للأعقاب من النار وهذا الحديث الناظر فيه لأول وهلة، يظن أنه كله من كلام النبي -صلى الله عليه وسلم-، لكن بعد تتبع العلماء لهذا الحديث، وجدوا أنه على شقَّين:
الشق الأول: هذا من كلام الصحابي، من كلام أبي هريرة -رضي الله عنه-الذي هو: أسبغوا الوضوء وقوله: وويل للأعقاب من النار هذا هو المرفوع، هذا هو المرفوع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
فأبو قَطَن وشَبَابة بن سوَّار، رويا هذا الحديث عن شعبة، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: أسبغوا الوضوء، ويل للأعقاب من النار فلو لم يرد إلا من هذا الطريق -لكان مرفوعًا بجميعه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، لكن لما نظر في طرق الحديث تبين أن أصحاب شعبة وعامتهم، يروون هذا الحديث عن شعبة، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة، أنه قال -يعني أبا هريرة-: أسبغوا الوضوء؛ فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ويل للأعقاب من النار
فهذه الرواية فصَلت ما كان مرفوعًا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، عما كان من كلام الصحابي، فدل ذلك على أن قوله: أسبغوا الوضوء هذه مدرَجة من بعض الرواة، أضافوها إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، وليست مضافةً إليه من حديث أبي هريرة، ومثل هذا الوهم غالبا ما ينشأ، إذا كان الحديث، أو إذا كان المتن، أو جزء من المتن، هذا إذا كان واردًا في أحاديث أخرى مثل حديثنا هذا، حديث: أسبغوا الوضوء.
جاء فيه أو صح من حديث آخر غير حديث أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه -، لكن الإدراج إنما جاء في حديث أبي هريرة، فبعض الرواة قد يكن عنده ذلك الحديث، فيتوهم ويدخل عليه حديث في حديث آخر.
وأيضًا الإدراج يُعرف -كما ذكر العلماء- بأمر آخَر وهو: أن يكون هذا الكلام المذكور في متن الحديث من النبي -صلى الله عليه وسلم-، يستحيل أن يقوله النبي -صلى الله عليه وسلم-، أو يمتنع أن يقوله النبي-صلى الله عليه وسلم-، وهذا الامتناع مستفاد من نصوص الشريعة العامة، وأحواله -صلى الله عليه وسلم-، فيمثلون لذلك بحديث أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: للعبد المملوك الصالح أجران، والذي نفسي بيده لولا الجهاد في سبيل الله، والحج، وبرُّ أمي، لوددت أن أموت وأنا مملوك.
فهذا الحديث ذكر العلماء أنه يمتنع أن يكون النبي -صلى الله عليه وسلم- قد قاله، يعني قد قال قوله: "والذي نفسي بيده..." إلى آخره، وهذا الامتناع جاء من جهتين: