حق الطريقِ وآدابُه
عناصر الخطبة:
مقدمة عن شمول الشريعة لكل جوانب الحياة حقوق الطريق وآدابه جملة.
حقوق الطريق تفصيلاً.
ما يختص بالمرأة من آداب.
مقدمة: إنَّ شرائعَ الإسلام استوعبتْ شتى جوانبَ الحياة وشؤونِها. وانتظمتْ كلَّ ما يَعرضُ للمرءِ من مهْدِه إلى لحدِه. فالدينُ الذي يبني أمةً ذات رسالةٍ لتبقى قائدةً رائدةً. . مصلحة لكلِّ زمانٍ ومكان - إنَّ ديننا هذا شأنُه لا يدعُ مجالاً في السلوك العام، أو السلوك الخاص، إلا وجاء فيه بأمرِ السداد. ومِن هنا فلا غرو أن تدخلَ توجيهاتُ الإسلام وأحكامُ الشريعة في تنظيم المجتمع، في دقيقِه وجليلِه، في أفراده وجموعه، وفي شأنه كلِّه. ولا تزال مدوناتُ أهلِ الإسلام في الفقه والأخلاق مشحونةً بالحِكَم والأحكام في فكرٍ أصيل، ونظرٍ عميق، واستبحار في فهْم الحياة، وشؤون الإنسان، وسياسة المجتمع، مع نماذجَ حية وسير فذَّة، وتطبيقات جليلة طوال تاريخ الأمة المجيد. وإنَّ مما يظهر فيه شمولُ هذا الدين، وجلاءُ حِكَمه وأحكامه، ما أوضحه الكتاب والسنة وآثار الأئمة. . من آداب الطريق، ومجالس الأسواق، وحقوق المارة، وأدب الجماعة([1])
حقوق الطريق وآدابه جملة:
ورد في هذا الباب أحاديث كثيرة مرفوعة للنبي -صلى الله عليه وسلم- اشتملت على بعض الآداب.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ((إِيَّاكُمْ وَالجُلُوسَ عَلَى الطُّرُقَاتِ))، فَقَالُوا: مَا لَنَا بُدٌّ، إِنَّمَا هِيَ مَجَالِسُنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا، قَالَ: ((فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلَّا المَجَالِسَ، فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهَا))، قَالُوا: وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ؟ قَالَ: ((غَضُّ البَصَرِ، وَكَفُّ الأَذَى، وَرَدُّ السَّلاَمِ، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهْيٌ عَنِ المُنْكَرِ))([2]) وزاد في حديث أَبي طَلْحَةَ -رضى الله عنه-مرفوعاً: (( وَحُسْنُ الْكَلَامِ))([3]) وزاد في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، -رضى الله عنه-مرفوعاً (( وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ، وَإِرْشَادُ السَّبِيلِ)) وفي لفظ (( وَإِرْشَادُ الضَّالِّ))([4]) وزاد في حديث عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -رضى الله عنه-مرفوعاً ((وَتُغِيثُوا الْمَلْهُوفَ ))([5]) وفي حديث البراء بن عازب ((إِنْ كُنْتُمْ لَا بُدَّ فَاعِلِينَ فَرُدُّوا السَّلَامَ، وَأَعِينُوا المَظْلُومَ، وَاهْدُوا السَّبِيلَ))([6]) وفي حديث ابن عباس -رضى الله عنهما- مرفوعاً ((لَا تَجْلِسُوا فِي الْمَجَالِسِ، فَإِنْ كُنْتُمْ لَابُدَّ فَاعِلِينَ، فَرَدُّوا السَّلَامَ، وَغُضُّوا الْأَبْصَارَ، وَاهْدُوا السَّبِيلَ، وَأَعِينُوا عَلَى الْحَمُولَةِ))([7])
وَقَدْ نَظَمَهَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ حَجَرٍ فَقَالَ فِي أَرْبَعَةِ أَبْيَاتٍ:
جَمَعْتُ آدَابَ مَنْ رَامَ الْجُلُوسَ عَلَى الـ. . . طَرِيقِ مِنْ قَوْلِ خَيْرٍ الْخَلْقِ إنْسَانَا
أَفْشِ السَّلَامَ وَأَحْسِنْ فِي الْكَلَامِ وَشَمِّ. . . تْ عَاطِسًا وَسَلَامًا رُدَّ إحْسَانًا
فِي الْحَمْلِ عَاوِنْ وَمَظْلُومًا أَعِنْ. . . وَأَغِثْ لَهْفَانَ اهْدِ سَبِيلًا وَاهْدِ حَيْرَانَا
بِالْعُرْفِ مُرْ وَانْهَ عَنْ نُكْرٍ وَكُفَّ أَذًى. . . وَغُضَّ طَرَفًا وَأَكْثِرْ ذِكْرَ مَوْلَانَا. ([8])
حقوق الطريق وآدابه تفصيلاً:
- الحقُّ الأول: غض البصر
وذلك لأن في هذا النظر انتهاك لحرمات الآخرين، كما أنه ذريعة للزنا، والأمر بغض البصر يشترك فيه الرجال والنساء على حدٍّ سواء، لما في ذلك من المفاسد العظيمة، فَإِنَّ النَّظْرَةَ سَهْمٌ مَسْمُومٌ مِنْ سِهَامِ إِبْلِيسَ، وَمَنْ أَطْلَقَ لَحَظَاتِهِ دَامَتْ حَسَرَاتُهُ. فَإِنَّ إِطْلَاقَ الْبَصَرِ يُفَرِّقُ الْقَلْبَ وَيُشَتِّتُهُ، وَيُبْعِدُهُ عَنِ اللَّهِ، وَلَيْسَ عَلَى الْقَلْبِ شَيْءٌ أَضَرُّ مِنْ إِطْلَاقِ الْبَصَرِ، فَإِنَّهُ يُورِثُ الْوَحْشَةَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَرَبِّهِ. ([9])
وأصلُ كلِّ شرٍّ ومبدؤه من النظر، فلو أنه غض بصره لارتاحت نفسه وارتاح قلبه. والشرع المطهر لم يغفل ما قد يقع من الناس بدون قصد منهم، فأمر بغض البصر قال تعالى { قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [النور: 30، 31]
قال ابن كثير -رحمه الله- : هَذَا أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ عَمَّا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ، فَلَا يَنْظُرُوا إِلَّا إِلَى مَا أَبَاحَ لَهُمُ النَّظَرَ إِلَيْهِ، وَأَنْ يَغُضُّوا أَبْصَارَهُمْ عَنِ الْمَحَارِمِ، فَإِنِ اتَّفَقَ أَنْ وَقَعَ الْبَصَرُ عَلَى مُحرَّم مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ، فَلْيَصْرِفْ بَصَرَهُ عَنْهُ سَرِيعًا. ([10])
فعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه، قَالَ: ((سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ نَظَرِ الْفُجَاءَةِ فَأَمَرَنِي أَنْ أَصْرِفَ بَصَرِي))([11])
* وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ لِعَلِيٍّ: ((يَا عَلِيُّ لاَ تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ؛ فَإِنَّمَا لَكَ الأُولَى، وَلَيْسَتْ لَكَ الآخِرَةُ)). ([12])
قال الحافظ -رحمه الله- : عِلَّةِ النَّهْيِ عَنِ الْجُلُوسِ فِي الطُّرُقِ مِنَ التَّعَرُّضِ لِلْفِتَنِ بِخُطُورِ النِّسَاءِ الشَّوَابِّ وَخَوْفِ مَا يَلْحَقُ مِنَ النَّظَرِ إِلَيْهِنَّ مِنْ ذَلِكَ إِذْ لَمْ يُمْنَعِ النِّسَاءُ مِنَ الْمُرُورِ فِي الشَّوَارِعِ لِحَوَائِجِهِنَّ. ([13])
- الحقُّ الثاني: كفُّ الأذى
قال الحافظ -رحمه الله- : وَأَمَّا كَفُّ الْأَذَى فَالْمُرَادُ بِهِ: كَفُّ الْأَذَى عَنِ الْمَارَّةِ بِأَنْ لَا يَجْلِسَ حَيْثُ يَضِيقُ عَلَيْهِمُ الطَّرِيقُ أَوْ عَلَى بَابِ مَنْزِلِ مَنْ يَتَأَذَّى بِجُلُوسِهِ عَلَيْهِ أَوْ حَيْثُ يَكْشِفُ عِيَالَهُ أَوْ مَا يُرِيدُ التَّسَتُّرَ بِهِ مِنْ حَالِهِ. قَالَهُ عِيَاضٌ قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ كَفَّ أَذَى النَّاسِ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ.([14])
فمن حقوق الطريق، كف الأذى، وعدم إيذاء الناس في أبدانهم أو أعراضهم. فالمسلم الحقٌّ يكفُّ الأذى في الطريق فلا يؤذِي الناسَ بلسانه، لا كلامًا سيّئًا، ولا همزًا ولمزًا وعيبًا، ولا سخريّة واحتقارًا، هو كافٌّ الأذى عن الناسِ، لا يؤذيهم لا بالأقوالِ كما لا يؤذيهم بالأفعال. قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: إِنْ ضَعُفْتَ عَنْ ثَلَاثَةٍ فَعَلَيْكَ بِثَلَاثٍ: إِنْ ضَعُفْتَ عَنِ الْخَيْرِ فَامْسِكْ عَنِ الشَّرِّ، وَإِنْ كُنْتَ لَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَنْفَعَ النَّاسَ فَامْسِكْ عَنْهُمْ ضُرَّكَ، وَإِنْ كُنْتَ لَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ فَلَا تَأْكُلْ لُحُومَ النَّاسِ. ([15])
قال النووي: وَيَدْخُلُ فِي كَفِّ الْأَذَى اجْتِنَابُ الْغِيبَةِ وَظَنِّ السُّوءِ وَإِحْقَارِ بَعْضِ الْمَارِّينَ وَتَضْيِيقِ الطَّرِيقِ وَكَذَا إِذَا كَانَ الْقَاعِدُونَ مِمَّنْ يَهَابُهُمُ الْمَارُّونَ أَوْ يَخَافُونَ مِنْهُمْ وَيَمْتَنِعُونَ مِنَ الْمُرُورِ فِي أَشْغَالِهِمْ بِسَبَبِ ذَلِكَ لكونهم لا يجدون طريقا إلا ذلك الْمَوْضِعِ. ([16])
* وسبحان الله، ما أكثر الأذى الذي يحتاج أن يُنحَّى عن طرقات المسلمين في هذه الأيام، فمن أنواع الأذى التي نراها في الطرقات الآن:
- همز ولمز المسلمين وبخاصة أهل التدين بدون وجه حق: قال الله تعالى متوعداً من يتعرض للمؤمنين بأيِّ نوع من الأذى{ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [الأحزاب: 58]
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رضى الله عنهما- ، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ((المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ))([17]) وعَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الإِسْلاَمِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: ((مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ، وَيَدِهِ))([18])
* قَالَ سُفْيَانُ بْنُ الْحُصَيْنِ كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ إِيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، فَمَرَّ رَجُلٌ فَنِلْتُ مِنْهُ. فَقَالَ: اسْكُتْ. ثُمَّ قَالَ لِي سُفْيَانُ: هَلْ غَزَوْتَ الرُّومَ؟ قُلْتُ: لَا. قَالَ: هَلْ غَزَوْتَ التُّرْكَ؟ قُلْتُ: لَا. قَالَ: سَلِمَ مِنْكَ الرُّومُ، وَسَلِمَ مِنْكَ التُّرْكُ، وَلَمْ يَسْلَمْ مِنْكَ أَخُوكَ الْمُسْلِمُ. قَالَ: فَمَا عُدْتُ إِلَى ذَلِكَ بَعْدُ.
- التبرج السافر الذي تعجُّ به طرقات المسلمين: فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: ((صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا، قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ، رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ، وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا))([19])
- حمل السلاح لترهيب المسلمين: فعن أَبي هُرَيْرَةَ -رضى الله عنه-، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: ((لاَ يُشِيرُ أَحَدُكُمْ عَلَى أَخِيهِ بِالسِّلاَحِ، فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِي، لَعَلَّ الشَّيْطَانَ يَنْزِعُ فِي يَدِهِ، فَيَقَعُ فِي حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ))([20]).
وعن أبي هُرَيْرَةَ -رضى الله عنه-قال: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ -صلى الله عليه وسلم-: ((مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَلْعَنُهُ، حَتَّى يَدَعَهُ وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ))([21])
- الصخب والضجيج بالغناء وإقامة الأفراح، و كذلك السبّ والشتم والقذف وهذا مما لا يخفى على أحد: فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: ((لَيْسَ المُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلَا اللَّعَّانِ وَلَا الفَاحِشِ وَلَا البَذِيءِ))([22]) وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ((مَا شَيْءٌ أَثْقَلُ فِي مِيزَانِ المُؤْمِنِ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ، وَإِنَّ اللَّهَ لَيُبْغِضُ الفَاحِشَ البَذِيءَ))([23])
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: ((أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟ )) قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ، فَقَالَ: ((إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ، وَصِيَامٍ، وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ))([24])
- إلقاء القمامة والقاذورات في الطريق: عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: " مَنْ آذَى الْمُسْلِمِينَ فِي طُرُقِهِمْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ لَعْنَتُهُمْ". ([25])
-التعدي على الطريق بالبناء، واستخدامه استخدامًا خاصًّا، وذلك كثير.
- الحقُّ الثالث ردُّ السلام:
أما إفشاء السلام - أيها الإخوة - ابتداءً ورداً؛ فأدب كريم يتخلق به أبناء الإسلام، وحقٌ يحفظونه لإخوانهم، يغرس المحبة، ويزرع الألفة، ويغسل الأحقاد، ويزيل الإحن، ويستجلب به رضا الله وغفرانه، وهو من حق المسلم على أخيه فعن أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ((حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ)) قِيلَ: مَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللهِ؟ ، قَالَ: ((إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ، وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ، وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللهَ فَسَمِّتْهُ، وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبِعْهُ))([26])
وإلقاء السلام سببٌ لنشر روح المحبة بين المسلمين، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: ((لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ))([27])
وقد قصَّر في هذا الباب خلقٌ كثير، واقتصر سلامهم على من يعرفون، فمن عرفوه سلموا عليه أو ردوا عليه سلامه، ومن لم يعرفوه لم يعيروه اهتماماً. وهذا خللٌ ومخالفة للسنة. فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رضى الله عنهما- ، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-: أَيُّ الإِسْلاَمِ خَيْرٌ؟ قَالَ: ((تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلاَمَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ))([28])
وليحذر من تركها وإشهار غيرها من تحيات الغرب كصباح الخير ومساء الخير وغيرها.
- الحقُّ الرابع وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
ومن الواجبات -أيضاً- على أهل الطريق: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فإن الطرق يقع فيها ما يقع من التقصير، ومن ظهور بعض المنكرات، فالواجب على المؤمن إذا رأى شيئاً في الطريق ألا يسكت، بل يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.
فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أفضل الأعمال وأجلِّ القربات لأنه قطب الدين العظيم، والمهمة التي بعث الله تعالى بها الأنبياء والمرسلين، وهو كذلك سبب خيرية هذه الأمة، وبه يحصل النجاة من الهلكة. قال تعالى{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ } [آل عمران: 110] وقال تعالى { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [التوبة: 71] وعن أبي سَعِيدٍ الخدري -رضى الله عنه-قال سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: ((مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ)). ([29])
ثمَّ إنَّ التقاعس عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أمره خطير وشره مستطير، فترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبب في انتشار الموبقات في شوارع المسلمين ونواديهم، ويترتب على ذلك تعميم العقاب وعدم استجابة الدعاء. قال تعالى{ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة: 78، 79]
ولكن إذا أدى تغيير المنكر إلى منكر أشدّ، فإنه لا يجوز تغييره. وهذه قاعدة من قواعد الشرع المعتبرة كما قال الله تعالى { وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 108] فَحَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى سَبَّ آلِهَةِ الْمُشْرِكِينَ - مَعَ كَوْنِ السَّبِّ غَيْظًا وَحَمِيَّةً لِلَّهِ وَإِهَانَةً لِآلِهَتِهِمْ - لِكَوْنِهِ ذَرِيعَةً إلَى سَبِّهِمْ اللَّهَ تَعَالَى، وَكَانَتْ مَصْلَحَةُ تَرْكِ مَسَبَّتِهِ تَعَالَى أَرْجَحَ مِنْ مَصْلَحَةِ سَبِّنَا لِآلِهَتِهِمْ. ([30])
- الحقُّ الخامس: إحسان الكلام
فعَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ أَبُو طَلْحَةَ: كُنَّا قُعُودًا بِالْأَفْنِيَةِ نَتَحَدَّثُ، فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَامَ عَلَيْنَا فَقَالَ: ((مَا لَكُمْ وَلِمَجَالِسِ الصُّعُدَاتِ اجْتَنِبُوا مَجَالِسَ الصُّعُدَاتِ، فَقُلْنَا إِنَّمَا قَعَدْنَا لِغَيْرِ مَا بَاسٍ قَعَدْنَا نَتَذَاكَرُ وَنَتَحَدَّثُ)) قَالَ: ((إِمَّا لَا فَأَدُّوا حَقَّهَا غَضُّ الْبَصَرِ، وَرَدُّ السَّلَامِ، وَحُسْنُ الْكَلَامِ))([31])
وَأَمَّا إِحْسَانُ الْكَلَامِ فَقَالَ عِيَاضٌ: فِيهِ نَدْبٌ إِلَى حُسْنِ مُعَامَلَةِ الْمُسْلِمِينَ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ فَإِنَّ الْجَالِسَ عَلَى الطَّرِيقِ يَمُرُّ بِهِ الْعَدَدُ الْكَثِيرُ مِنَ النَّاسِ فَرُبَّمَا سَأَلُوهُ عَنْ بَعْضِ شَأْنِهِمْ وَوَجْهِ طُرُقِهِمْ فَيَجِبُ أَنْ يَتَلَقَّاهُمْ بِالْجَمِيلِ مِنَ الْكَلَامِ وَلَا يَتَلَقَّاهُمْ بِالضَّجَرِ وَخُشُونَةِ اللَّفْظِ وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ كَفِّ الْأَذَى. ([32])
وقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم-أن إحسان الكلام من موجبات الجنة، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: ((إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفًا يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا)) فَقَالَ أَبُو مَالِكٍ الْأَشْعَرِيُّ: لِمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ((لِمَنْ أَطَابَ الْكَلَامَ، وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَبَاتَ قَائِمًا وَالنَّاسُ نِيَامٌ))([33])
- الحقُّ السادس: هداية مَنْ سأل عن الطريق
ومن حقوق الطريق-أيضاً- إرشاد السائل عن الطريق، وهدايته إليه، سواءٌ كان ضالاً أو غريباً أو أعمى. فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ((حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ)) وذكر منها(( وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ))([34])
وجعل النبي -صلى الله عليه وسلم-ذلك من الصدقات التي يتقرب بها العبد لربِّه، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: ((كُلُّ سُلاَمَى عَلَيْهِ صَدَقَةٌ. . . . ، وَدَلُّ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ))([35]) (ودَلُّ الطريق) هُوَ أَنْ يَدُلَّ مَنْ لَا يَعْرِفُ الطَّرِيقَ عَلَيْهَا. وعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (( وَإِرْشَادُكَ الرَّجُلَ فِي أَرْضِ الضَّلَالِ لَكَ صَدَقَةٌ ))([36])
وعن البَرَاء بْن عَازِبٍ -رضى الله عنه-قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: ((مَنْ مَنَحَ مَنِيحَةَ لَبَنٍ أَوْ وَرِقٍ أَوْ هَدَى زُقَاقًا كَانَ لَهُ مِثْلَ عِتْقِ رَقَبَةٍ))([37]) ((أَوْ هَدَى زُقَاقًا)): يَعْنِي بِهِ هِدَايَةَ الطَّرِيقِ وَهُوَ إِرْشَادُ السَّبِيلِ.
- الحقُّ السابع: إزالة الأذى من الطريق
من الآداب المستحبة في الطريق؛ إزالة الأذى عن الطريق، بل هي شعبة من شعب من الإيمان، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: ((الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ - أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ - شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ))([38])
وهي من الصدقات، وبسببها أُدخل رَجُلٍ الجنة. فعَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: ((عُرِضَتْ عَلَيَّ أَعْمَالُ أُمَّتِي حَسَنُهَا وَسَيِّئُهَا، فَوَجَدْتُ فِي مَحَاسِنِ أَعْمَالِهَا الْأَذَى يُمَاطُ عَنِ الطَّرِيقِ، وَوَجَدْتُ فِي مَسَاوِي أَعْمَالِهَا النُّخَاعَةَ تَكُونُ فِي الْمَسْجِدِ، لَا تُدْفَنُ))([39])
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ((بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ فَأَخَّرَهُ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ))([40]) وفي لفظٍ " مَرَّ رَجُلٌ بِغُصْنِ شَجَرَةٍ عَلَى ظَهْرِ طَرِيقٍ، فَقَالَ: وَاللهِ لَأُنَحِّيَنَّ هَذَا عَنِ الْمُسْلِمِينَ لَا يُؤْذِيهِمْ فَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ ". وفي لفظٍ ((لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا يَتَقَلَّبُ فِي الْجَنَّةِ، فِي شَجَرَةٍ قَطَعَهَا مِنْ ظَهْرِ الطَّرِيقِ، كَانَتْ تُؤْذِي النَّاسَ))([41])
- الحقُّ الثامن: إعانة الرجل في حمله على دابته، أو رفع متاعه عليها، وإغاثة الملهوف:
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: ((كُلُّ سُلاَمَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ، كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ، يَعْدِلُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، وَيُعِينُ الرَّجُلَ عَلَى دَابَّتِهِ فَيَحْمِلُ عَلَيْهَا، أَوْ يَرْفَعُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ، وَالكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا إِلَى الصَّلاَةِ صَدَقَةٌ، وَيُمِيطُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ))([42])
وعن أبي موسى الأشعري ض-رضى الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ((عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ)) قِيلَ: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ ((يَعْتَمِلُ بِيَدَيْهِ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ)) قَالَ قِيلَ: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ؟ قَالَ: ((يُعِينُ ذَا الْحَاجَةِ الْمَلْهُوفَ)) قَالَ قِيلَ لَهُ: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ؟ قَالَ: ((يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ أَوِ الْخَيْرِ)) قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَفْعَلْ؟ قَالَ: ((يُمْسِكُ عَنِ الشَّرِّ، فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ))([43])
- الحقُّ التاسع: التواضع في المشي وعدم التكبر على الناس
وذلك بأن يمشي الإنسان على الأرض هونا، أي مشيا لينا رفيقا، وذلك لقوله تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} [الفرقان: 63] وقال سبحانه: {وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا} [الإسراء: 37]
* كلُّ هذه الآداب يشترك فيها الرجال والنساء، ويختص النساء ببعض الآداب الزائدة منها:
1- أن لا تخرج متبرجة، بل عليها أن تستر جميع جسدها عملاً بقول الله تعالى{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب: 59]
وقال تعالى{وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ } [النور: 31]
قال ابن كثير -رحمه الله- : كَانَتِ الْمَرْأَةُ تَمُرُّ بَيْنَ الرِّجَالِ مُسَفِّحَةً بِصَدْرِهَا، لَا يُوَارِيهِ شَيْءٌ، وَرُبَّمَا أَظْهَرَتْ عُنُقَهَا وَذَوَائِبَ شَعْرِهَا وَأَقْرِطَةَ آذَانِهَا. فَأَمَرَ اللَّهُ الْمُؤْمِنَاتِ أَنْ يَسْتَتِرْنَ فِي هَيْئَاتِهِنَّ وَأَحْوَالِهِنَّ.([44])
2- لا تضع الطيب على ثيابها أو جسدها: لحديث أبي موسى الأَشْعَرِيِّ -رضى الله عنه-قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: (( أَيُّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ، فَمَرَّتْ بِقَوْمٍ لِيَجِدُوا رِيحَهَا فَهِيَ زَانِيَةٌ)). ([45])
وعَنْ زَيْنَبَ الثقفية، امْرَأَةِ عَبْدِ اللهِ -رضى الله عنهما- ، قَالَتْ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: ((إِذَا شَهِدَتْ إِحْدَاكُنَّ الْمَسْجِدَ فَلَا تَمَسَّ طِيبًا))([46])
3- أن لا تلبس حذاء له كعب عالي الذي يلفت لها أنظار الناس: قال تعالى{وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} [النور: 31]
4-المشي على حافتي الطريق: لحديث حَمْزَةَ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، يَقُولُ: وَهُوَ خَارِجٌ مِنَ الْمَسْجِدِ فَاخْتَلَطَ الرِّجَالُ مَعَ النِّسَاءِ فِي الطَّرِيقِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لِلنِّسَاءِ: ((اسْتَأْخِرْنَ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكُنَّ أَنْ تَحْقُقْنَ الطَّرِيقَ، عَلَيْكُنَّ بِحَافَّاتِ الطَّرِيقِ))
فَكَانَتِ الْمَرْأَةُ تَلْتَصِقُ بِالْجِدَارِ حَتَّى إِنَّ ثَوْبَهَا لَيَتَعَلَّقُ بِالْجِدَارِ مِنْ لُصُوقِهَا بِهِ. ([47])
* حتى في الطواف حول الكعبة واستلام الحجر، يجب على المرأة ألا تختلط بالرجال وتزاحمهم. قال عَطَاءٌ: كَانَتْ عَائِشَةُ ’ تَطُوفُ حَجْرَةً مِنَ الرِّجَالِ، لاَ تُخَالِطُهُمْ، فَقَالَتْ امْرَأَةٌ: انْطَلِقِي نَسْتَلِمْ يَا أُمَّ المُؤْمِنِينَ، قَالَتْ: انْطَلِقِي عَنْكِ، وَأَبَتْ. ([48]) ومعنى حَجْرَةً: أي معتزلة.
- أنْ لا ترفع صوتها أو تخضع به أمام الرجال الأجانب: عملاً بقول الله تعالى{فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا} [الأحزاب: 32] وَالْمَعْنَى: لَا تَقُلْنَ قَوْلًا يَجِدُ مُنَافِقٌ أَوْ فَاجِرٌ بِهِ سَبِيلًا إِلَى الطَّمَعِ فِيكُنَّ. وَالْمَرْأَةُ مَنْدُوبَةٌ إِلَى الْغِلْظَةِ فِي الْمَقَالَةِ إِذَا خَاطَبَتِ الْأَجَانِبَ لِقَطْعِ الْأَطْمَاعِ. ([49])
والحمد لله رب العالمين
([1]) خطبة للشيخ صالح بن حميد، موسوعة خطب المنبر (ص: 50)
([2]) رواه البخاري (2465) ومسلم (2121)
([3]) رواه مسلم (1161)
([4]) رواه أبو داود (4816) والنسائي (11298) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود (ص: 2 )
([5]) رواه أبو داود (4817) وصححه الألباني في صحيح أبي داود (ص: 2 )
([6]) رواه الترمذي (2726) وصححه الألباني في صحيح الجامع (1/ 298)
([7]) رواه البزار (5232)
([8]) سبل السلام (2/ 687)
([9]) الداء والدواء (ص: 178)
([10]) تفسير ابن كثير(6/ 41)
([11]) رواه مسلم (2159)
([12]) رواه أحمد (5/ 357) وحسنه الألباني في صحيح الجامع (2/ 1316)
([13]) فتح الباري (11/ 11)
([14]) فتح الباري لابن حجر (11/ 12)
([15]) تنبيه الغافلين للسمرقندي (ص: 166)
([16]) شرح النووي على مسلم (14/ 102)
([17]) رواه البخاري (10) ومسلم (40)
([18]) رواه البخاري (11) ومسلم (42)
([19]) رواه مسلم (2128)
([20]) رواه البخاري (7072) ومسلم (2617)
([21]) رواه مسلم (2616)
([22]) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد (ص: 130)
([23]) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد (ص: 177)
([24]) رواه مسلم (2581)
([25]) رواه الطبراني (3050) وحسنه الألباني في صحيح الجامع (2/ 1029)
([26]) رواه مسلم (2162)
([27]) رواه مسلم (54)
([28]) رواه البخاري (12) ومسلم (39)
([29]) رواه مسلم (49)
([30]) إعلام الموقعين (3/ 110)
([31]) رواه مسلم (1161)
([32]) فتح الباري لابن حجر (11/ 12)
([33]) رواه الحاكم (1/ 153) وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3/ 260)
([34]) رواه مسلم (2162)
([35])رواه البخاري (2891)
([36]) رواه الترمذي (1956) وصححه الألباني في صحيح الجامع (1/ 561)
([37]) رواه الترمذي (1957) وصححه الألباني في صحيح الجامع (2/ 1117)
([38]) رواه مسلم (35)
([39]) رواه مسلم (553)
([40]) رواه البخاري (652) ومسلم (1914)
([41]) رواه مسلم (1914)
([42]) رواه البخاري (2989) ومسلم (1009)
([43]) رواه البخاري (5676) ومسلم (1008)
([44]) تفسير ابن كثير (6/ 46)
([45]) رواه أحمد (4/ 413) وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1/ 525)
([46]) رواه مسلم (443)
([47]) رواه أبو داود (5272) وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1/ 221)
([48]) رواه البخاري (1618)
([49]) تفسير البغوي (6/ 348)