أحمد بن نصر - فداء للقرآن
أحمد بن نصر الخزاعى الذى أبى القول بخلق القرآن وقدم نفسه فداء للقرآن ، كان من أهل العلم و الدين و الفضل مشهورا بالخير أمارا بالمعروف قواما بالحق ، ذكره الإمام أحمد بن حنبل يوما فقال : رحمه الله ما كان أسخاه بنفسه لله لقد جاد بنفسه له.
وقال جعفر بن محمد الصائغ : « بصرت عيناي وإلا فقئتا وسمعت أذناي وإلا فصمتا أحمد بن نصر الخزاعي حين ضربت عنقه يقول رأسه : لا إله إلا الله ؛ وقد سمعه بعض الناس وهو مصلوب على الجذع ورأسه يقرأ : (الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ) قال :فاقشعر جلدي، ورآه بعضهم في النوم
فقال له : « مافعل بك ربك»
فقال : « ما كانت إلا غفوة حتى لقيت الله عز وجل فضحك إلى».
ورأى بعضهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام ،ومعه أبو بكر ، وعمر ، قد مروا على الجذع الذي عليه رأس أحمد بن نصر فلما جاوزوه أعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه الكريم عنه ، فقيل له يارسول الله مالك أعرضت عن أحمد بن نصر
فقال :« أعرضت عنه استحياء منه حين قتله رجل يزعم أنه من أهل بيتى» .
ولم يزل رأسه منصوباً من يوم الخميس الثامن والعشرين من شعبان من هذه السنة أعني سنة إحدى وثلاثين ومائتين( 28 شعبان/231 هـ) إلى بعد عيد الفطر بيوم أو يومين من سنة سبع وثلاثين ومائتين ، فجمع بين رأسه وجثته ودفن بالجانب الشرقي من بغداد بالمقبرة المعروفة « بالمالكية» ، رحمه الله . وذلك بأمر «المتوكل على الله» الذي ولى الخلافة بعد أخيه «الواثق» .
دخل عبد العزيز بن يحي الكتائي صاحب كتاب الحيدة على «المتوكل» ، وكان من خيار الخلفاء لأنه أحسن الصنيع لأهل السنة بخلاف أخيه «الواثق» وأبيه «المعتصم» ،وعمه «المأمون» ، فإنهم أساؤا إلى أهل السنة ،وقربوا أهل البدع والضلال من المعتزلة ،وغيرهم ، فأمره أن ينزل جثة أحمد بن نصر ويدفنه ففعل أهـ (1)
لم يصبر فى المحنة إلا أربعة : أحمد بن حنبل أبو عبد الله . و أحمد بن نصر بن مالك الخزاعى ، و محمد بن نوح بن ميمون المضروب ، و نعيم بن حماد و قد مات فى السجن مقيدا ، فأما أحمد بن نصر فضربت عنقه .و مات محمد بن نوح فى فتنة الخليفة المأمون ، والخليفة المعتصم ضرب الإمام أحمد بن حنبل .
قال الحافظ فى "تقريب التهذيب" ص / 85 :قتل ظلما .
نسبه :
قال المزي في تهذيب الكمال :
أحمد بن محمد بن ثابت بن عثمان بن مسعود بن يزيد الخزاعى ، أبو الحسن ابن شبويه المروزى الماخونى .
و ماخون : قرية من قرى مرو ، و هو والد عبد الله بن أحمد بن شبويه . اهـ .
وقال أيضاً : أحمد بن نصر بن مالك بن الهيثم بن عوف بن وهب بن عميرة بن هاجر بن عمير ابن عبد العزى بن قمير بن حبشية بن سلول بن كعب بن عمرو الخزاعى ، أبو عبد الله البغدادى الشهيد .
و سويقة نصر ببغداد منسوبة إلى أبيه نصر ، و كان جده مالك بن الهيثم أحد نقباء بنى العباس فى ابتداء الدولة العباسية . و عمرو الذى سقنا نسبه إليه هو عمرو بن لحى بن قمعة بن خندف ، الذى قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم : " رأيت عمرو بن لحى أبا بنى كعب هؤلاء يجر قصبه فى النار لأنه أول من بحر البحيرة و سيب السائبة و وصل الوصيلة و حمى الحامى و غير دين إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام " .
و ولد خزاعة هم ولد كعب بن عمرو هذا ، و قيل : ولد كعب بن عمرو بن ربيعة بن حارثة بن عمرو بن عامر من غسان و الله أعلم .
علمه :
قال الذهبي : من كبار الأئمة
قال إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد ، قال : سمعت يحيى بن معين ، و ذكر أحمد بن نصر بن مالك فترحم عليه و قال : قد ختم الله له بالشهادة ، قلت ليحيى : كتبت عنه شيئا ؟ قال : نعم ، نظرت له فى مشايخ الجنديين ، و أحاديث عبد الصمد بن معقل ، و عبد الله بن عمرو بن مسلم الجندى ، قلت ليحيى : من يحدث عن عبد الله بن عمرو بن مسلم ؟ قال : عبد الرزاق .
قلت : ثقة هو ؟ قال : ثقة ، ليس به بأس ، قلت : فأبوه عمرو بن مسلم الذى يحدث عن طاووس كيف هو ؟ قال : وأبوه لا بأس به ، ثم قال يحيى : كان عند أحمد بن نصر مصنفات هشيم كلها ، و عن مالك أحاديث كبار ، ثم قال يحيى : كان أحمد يقول : ما دخل عليه أحد يصدقه ْ يعنى الخليفة ْ ثم قال يحيى : ما كان يحدث ، كان يقول لست موضع ذاك ْ يعنى أحمد بن نصر بن مالك رحمه الله ْ و أحسن يحيى الثناء عليه .
قال النسائى : ثقة .
و قال محمد بن عبد الرحمن السامى : سمعت عبد الله بن أحمد بن شبويه قال : سمعت أبى يقول : من أراد علم القبر فعليه بالأثر ، و من أراد علم الخبز فعليه بالرأى .
و قال أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق الحافظ فى ما أخبرنا أبوالعباس أحمد بن أبى الخير سلامة بن إبراهيم بن سلامة بن الحداد عن كتاب أبى المكارم أحمد بن محمد بن محمد اللبان عن أبى على الحسن بن أحمد بن الحسن الحداد عنه ، حدثنا سليمان بن أحمد ، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثنى ثابت بن أحمد بن شبويه المروزى قال : كان يخيل إلى أن لأبى : أحمد بن شبويه فضيلة على أحمد بن حنبل للجهاد ، و فكاك الأسرى ، و لزوم الثغور ، فسألت أخى عبد الله بن أحمد أيهما كان أرجح فى نفسك ؟
فقال : أبو عبد الله أحمد بن حنبل ، فلم أقنع بقوله ، و أبيت إلا العجب بأبى أحمد بن شبويه ، فأريت بعد سنة فى منامى كأن شيخا حوله الناس يسمعون منه ، و يسألونه ، فقعدت إليه ، فلما قام ، تبعته ، فقلت : يا عبد الله : أخبرنى :أحمد بن محمد بن حنبل و أحمد بن شبويه أيهما عندك أعلى و أفضل ، فقال :سبحان الله إن أحمد بن حنبل ابتلى فصبر ، و إن أحمد بن شبويه عوفى ، المبتلى الصابر كالمعافى ؟ ! هيهات ما أبعد ما بينهما .
قال الحافظ في تهذيب التهذيب 1 / 71 :
وثقه محمد بن وضاح و العجلى و عبد الغنى بن سعيد .
و قال الإدريسى : كان حافظا فاضلا ثبتا متقنا فى الحديث .
و ذكره ابن حبان فى " الثقات " . اهـ .
روى أبو داود فى " كتاب المسائل " عن أحمد بن إبراهيم الدورقى ، عن أحمد بن نصر قال : سألت سفيان بن عيينة : " القلوب بين إصبعين " ، " و إن الله يضحك ممن يذكره فى الأسواق " .
فقال : أمروها كما جاءت . بلا كيف
من مشاهير شيوخه :
آدم بن أبى إياس ، إسماعيل بن أبى أويس ، إسماعيل ابن علية ، سفيان بن عيينة ، سليمان بن صالح المروزى ، عبد الله بن المبارك ، عبد الرزاق بن همام ، على بن الحسن بن شقيق ، على بن الحسين بن واقد ، على ابن المدينى ، وكيع بن الجراح ، يزيد بن هارون .
من مشاهير تلاميذه :
أبو داود ، أحمد بن أبى الحوارى ، أبو بكر أحمد بن أبى خيثمة زهير بن حرب ،أبو يعقوب إسحاق بن عاصم المصيصى ، أيوب بن إسحاق بن سافرى،ثابت بن أحمد بن شبويه ، عباس بن الوليد بن صبح الخلال، عبد الله بن أحمد بن شبويه ( ابنه ) ، محمد بن خلف العسقلانى ، أبو بكر محمد بن عبد الملك بن زنجويه ، يحيى بن عثمان بن صالح المصرى ، يحيى بن معين ، و هو من أقرانه .
وفاته :
قال أبو نصر ابن ماكولا : مات بطرسوس فى شهر ربيع الأول سنة تسع و عشرين(2) و مئتين ، و هو ابن ستين سنة .
قصة قتله :
في مجلس محاكمة الامام احمد بن نصر ،جلس الواثق و قال لأحمد بن نصر : دع ما أخذت له ، ما تقول فى القرآن ؟ قال : كلام الله .
قال : أفمخلوق هو ؟ قال : كلام الله .
قال : أفترى ربك فى القيامة ؟
قال : كذا جاءت الرواية
قال : ويحك ، يرى كما يرى المحدود المتجسم ، و يحويه مكان ، و يحصره الناظر ، أنا أكفر برب هذه صفته
ثم التفت الخليفة الواثق إلى أعوانه ومستشاريه في المجلس وقال :
ما تقولون فيه ؟
فقال عبد الرحمن بن إسحاق(3): هو حلال الدم . و قال جماعة من الفقهاء (4)- المعتزلة - كما قال ، فأظهر ابن أبى دؤاد أنه كاره لقتله ، فقال للواثق : ياأمير المؤمنين شيخ مختل ، لعل به عاهة ، أو تغير عقل ، يؤخر أمره و يستتاب .
فقال الواثق : ما أراه إلا مؤديا لكفره ، قائما بما يعتقده منه .
و دعا الواثق بالصمصامة و قال : إذا قمت إليه ، فلا يقومن أحد معى ، فإنى أحتسب خطاى إلى هذا الكافر ، الذى يعبد ربا لا نعبده ، و لا نعرفه بالصفة التى وصفه بها ، ثم أمربالنطع ، فأجلس عليه ، وهو مقيد ، و أمر بشد رأسه بحبل و أمرهم أن يمدوه ، و مشى إليه حتى ضرب عنقه ، و أمر بحمل رأسه إلى بغداد ، فنصب بالجانب الشرقى أياما ، و فى الجانب الغربى أياما ، وعلقوا في أذنه رقعة مكتوب عليها : « بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا رأس أحمد بن نصر بن مالك ، دعاه عبد الله الإمام هارون ، و هو الواثق بالله أمير المؤمنين ، إلى القول بخلق القرآن ، و نفى التشبيه ، فأبى إلا المعاندة فعجله الله إلى ناره . فعن محمد بن إسحاق السراج قال : سمعت أبا بكر المطوعى قال : لما جىء برأس أحمد بن نصر ، صلبوه على الجسر ، كانت الريح تديره قبل القبلة ، فأقعدوا له رجلا معه قصبة أو رمح ، فكان إذا دار نحو القبلة ، أداره إلى خلاف القبلة .
قال الحافظ أبو بكر : لم يزل رأس أحمد بن نصر منصوبا ببغداد و جسده مصلوبا بسر من رأى ست سنين ، إلى أن حط و جمع بين رأسه و بدنه ، و دفن بالجانب الشرقى ، فى المقبرة المعروفة بالمالكية .
وعن موسى بن هارون ، قال : دفن أحمد بن نصر بن مالك ببغداد فى شوال سنة سبع و ثلاثين و مئتين بعد الفطر بيوم أو يومين .