فجرت مفتية النساء الدكتورة سعاد صالح، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر، مفاجأة بإعلان اعتراضها على فتوى الأزهر بشأن إباحة الإجهاض قبل أربعة أشهر، وتقديمها طلباً للأزهر لتغيير موقفه استناداً إلى الرأي الطبي الذي يؤكد أن في الجنين حياة من أول يوم وليس كما ظن الفقهاء القدامى أن حياته تبدأ بعد ١٢٠ يوماً. وقد أثار ذلك جدلاً جديداً بين الفقهاء ما بين مؤيد ومعارض. فماذا قالوا؟
في البداية تفسر الدكتورة سعاد صالح سبب تراجعها عما كانت مقتنعة بقولها: «الخلاف الحالي سببه عدم وجود نص قطعي عن بداية الحياة الحقيقية للجنين. وقد استشرت أطباء النساء والتوليد باعتبارهم أهل الذكر الذين أمرنا الله بسؤالهم في ما نختلف حوله في تلك القضية، تنفيذاً لقوله تعالى: «فسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون » (آية ٧ سورة الأنبياء). وبعد أن التقيت مجموعة كبيرة منهم اقتنعت بما قالوه لي بأن حياة الجنين تبدأ منذ اليوم الأول، ولهذا أفتيت بعدم جواز الإجهاض حتى ولو كان عمره يوماً واحداً».
وأضافت: «لم اكتف بما توصلت إليه بعد استشارتي للأطباء، وإنما قمت بتفعيل ذلك لتغيير الفتوى الحالية للأزهر من خلال تقديمي طلباً لمجمع البحوث الإسلامية لإصدار فتوى حديثة تُحرّم الإجهاض على الإطلاق، استناداً إلى الرأي الطبي الجديد الذي أثبت أن النبض يبدأ بعد ٢٤ يوماً، وأنه بعد خمسة أيام من الحمل ينمو الجنين ويتحرك».
وأكملت الدكتورة سعاد: «الفكرة الشائعة بين الفقهاء أن الروح تدب في الجنين بعد ١٢٠ يوماً فكرة خاطئة علمياً بدليل أن التعريف الحقيقي للموت الذي يجيز نقل الأعضاء أنه مفارقة الروح الجسد، وتوقف القلب عن النبض تماماً، وبالتالي فإن الحياة للجنين تكون بإقرار الأطباء المختصين بأنه يوجد نبض وروح حية لا يجوز قتلها، لأن الحيوان المنوي والبويضة من الكائنات الحية. وبعد الإخصاب وحدوث الحمل بلحظة تقوم البويضة بمنع دخول أي حيوان منوي جديد».
وفندت صالح اجتهادات الفقهاء القدامى الذين استندوا في فتواهم بإجازة إجهاض الجنين في شهوره الأولى قبل مرور ١٢٠ يوماً على وجوده في رحم أمه بناء على فهمهم لما أوضحه الرسول صلى الله عليه وسلم بأن الجنين يتكون في مراحل أولاها ٤٠ يوماً نطفة، و٤٠ يوماً علقة و٤٠ يوماً مضغة وبعدها ينفخ الروح فيه، ولكن الفقهاء الآن يجب أن يستندوا على ما توصل إليه الطب من أن الجنين يعتبر روحاً في أيامه الأولى لأن الجنين يعتبر كائناً حياً تدب فيه الروح بعد٢٤ يوماً من الحمل، وأكدت أنه ثبت بالأدلة وجود نبض وقلب مع البدايات الأولى للحمل، وأنه في اليوم الخامس من الحمل يكون الجنين عبارة عن مجموعة من الخلايا الحية وينكمش استعداداً للخروج من كيس الحمل للنمو. وعندما يبلغ ٢٤ يوماً يبدأ قلبه النبض ويكون في هذه الحالة كائناً حياً فيه نبض مسموع ومرئي ويحرم إجهاضه من لحظة تأكد الأم من الحمل».
الإجهاض للضرورة
ويرى مفتي مصر السابق الدكتور نصر فريد واصل أن الإجهاض من القضايا الشائكة ليس في مصر وحدها بل في كثير من الدول، والفتوى التي سبق أن أصدرها الأزهر والمؤسسات الفقهية في العالم الإسلامي لم تأتِ من فراغ، وإنما تستند إلى الحديث النبوي الذي يقول فيه رسول الله صلى عليه وسلم: «إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً ثم يكون في ذلك علقةً مثل ذلك ثم يكون في ذلك مضغةً مثل ذلك ثم يُرسَلُ الملَك فينفُخ فيه الروح، ويُؤمَر بأربع كلمات يكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد». ولهذا اتفق الفقهاء في اجتهادهم على حرمة الإجهاض بعد نفخ الروح في الجنين أي بعد ١٢٠ يوماً، لأن الروح تنفخ في البدن بعد هذه المدة، في حين يجوز الإجهاض للضرورة التي يقررها الأطباء إذا كان عمر الجنين أقل من أربعة شهور، كأن يكون مصاباً بتشوهات خلقية كبيرة أو أن يشكل الحمل خطراً شديداً على حياة الأم.
مرحلتان للجنين
ورفض رئيس اللجنة الدينية بمجلس الشعب المصري الدكتور أحمد عمر هاشم أن يكون سبب الإجهاض سواء قبل الأربعة أشهر أو بعدها الأمور المالية، فرزق المولود من الله القائل: «ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطئاً كبيراً » (آية ٣١ سورة الإسراء). وبالتالي فإن الإجهاض هنا يُعد قتلاً للنفس البشرية، وهذا أمر يختلف عن تنظيم النسل والتباعد بين فترات الحمل الذي يجيزه الإسلام، ولكن إذا حدث الحمل فهذه إرادة الله ولا يجوز إجهاضه.
وأضاف أن النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه عن الجنين البشري «أوضح أنه يمر بمرحلتين منذ تمثله في عناصر حية أولية ليس فيها خصائص البشر، وإن كان فيها خصائص الحياة، وتشمل المرحلة الأولى أطواراً ثلاثة للجنين هي «النطفة والعلقة والمضغة»، وتبدأ المرحلة الثانية بعد ١٢٠ يوماً من عمر الجنين بنفخ الروح فيه».
مطلوب تقنين وحزم
وطالبت رئيسة اللجنة التشريعية بالبرلمان المصري سابقاً الدكتورة فوزية عبد الستار بتشديد العقوبة على الأطراف المشاركة في الإجهاض، وكذلك أن «توفر الدولة عيادات طبية خاصة لإجهاض الحالات المسموح بها شرعاً وقانوناً من خلال تقارير طبية خاصة للمغتصبات، لأن عدم تقنين العملية يؤدي إلى إجرائها من الأبواب الخلفية وفي أماكن غير معدة لذلك، مما يمثل خطراً على الحياة وفي الوقت نفسه يتم منع الإجهاض للمستهترين، وعادة ما تدفع المرأة حياتها ضريبة لمغامرة كهذه».