تعطر والتطيب لغير الزوج
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه...
وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين. أما بعد: فيا أيها الأحبة! أما المظهر الرابع والأخير من مظاهر التبرج: هو ألا تتعطر المرأة لغير زوجها. الإسلام لا يحرم الطيب على المرأة، بل إن الإسلام يريد المرأة دائماً متطيبة ومتعطرة ومتزينة ومتجملة لزوجها، ويحرم عليها أن تمس الطيب إذا خرجت من بيتها، لماذا؟ لأن الطيب من ألطف وسائل المخابرة بين الشاب والمرأة، وكم من شاب تقي لله جل وعلا مشى في الشوارع والطرقات وقد أطرق بصره للأرض؛ لا يريد أن ينظر يمنة ولا يسرة، فمرت به امرأة متطيبة قد وضعت أرقى العطور .. وبمجرد مرورها عليه انتشرت رائحة العطر في كل مكان، فسكنت قلبه، فظل يغالب شيطانه ويغالب هواه، إما أن يقع في المعصية ويدنس نظره بالزنا والنظر إليها، وإما أن ينصره الله جل وعلا على هذه الفتنة العارمة، ويظل في طاعته وفي إطراق بصره لله جل وعلا! لماذا هذه الفتن؟ ولماذا هذه السهام المسمومة؟ ولماذا هذه الشهوات؟ ورد في الحديث الذي رواه الإمام الترمذي وقال: حديث حسن صحيح، من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أيما امرأة استعطرت -وضعت العطر والطيب- ثم خرجت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية، وكل عين زانية) أي: كل عين تنظر إليها بشهوة لتستمتع بها فهي زانية، وفي الحديث الصحيح: (إن العينين زناهما النظر) هذا كلام المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى. وفي الحديث الذي رواه مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال: (إذا خرجت إحداكن إلى المسجد فلا تقربن طيباً) فإذا خرجت المرأة إلى المسجد فلا تمس الطيب، قال الإمام ابن دقيق العيد رحمه الله: يحرم على المرأة أن تمس الطيب إذا خرجت إلى مسجد، قلت: فكيف يكون حالها إذا خرجت إلى الأسواق والشوارع والطرقات، إن الطيب في حقها أشد حرمة. هذه بعض مظاهر التبرج -يا عباد الله- فيا أيها الأب الغيور الكريم! ويا أيها الأخ الحبيب الرحيم! ويا أيتها الأم الكريمة! ويا أيتها الأخت المسلمة الفاضلة! اتقوا الله جل وعلا، وعودوا إلى الله عز وجل، واعلم -أيها الأب- الذي فرط في تربية بناته على شرع الله ودين رسول الله صلى الله عليه وسلم أنك موقوف بين يدي الله ومسئول عن بناتك أمام محكمة قاضيها الله جل وعلا. وأنتِ -أيتها الأم- التي حاربتِ الحجاب وحاربت النقاب وقلت لابنتك: لا وألف لا، لا تلبسي الحجاب ولا ترتدي النقاب إلا بعد الزواج، اعلمي أن الزوج الذي جاء على معصية الله وعلى هذا الجمال الزائل واللحم العاري -لن يصون ابنتك أبداً؛ لأن رجلاً ذهب إلى الحسن وقال: إن لي ابنة، تُرى لمن أزوجها؟ قال: زوجها لمن يتقي الله؛ فإن أحبها أكرمها، وإن أبغضها لم يظلمها. وأنت -أيتها المسلمة- اتقي الله جل وعلا وعودي إليه، واعلمي أن هذا الجمال إلى زوال، وأن هذا البدن إلى دود وتراب، وأنك ستعرضين على العزيز التواب جل وعلا ليسألك عن هذه الأمانة التي امتن بها عليك، فماذا سيكون جوابك بين يدي الملك الجبار؟! فاتقوا الله جميعاً يا عباد الله! وعودوا إلى الله، واعلموا أنكم مسئولون عن بناتكم وزوجاتكم بين يدي الله جل وعلا. وأختم بكلام ربنا جل وعلا في سورة التحريم: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [التحريم:6-8