عباد الله : إنّ كل إنسان سيمتحن في قبره وسيسأل عن أمور عظيمة فإن نجح في هذا الاختبار كان ما بعد ذلك نعيم مقيم، وإن فشل فيه كان ما بعده أشد منه.
فالمرء في قبره يسأله الملائكة ثلاثة أسأله فأعدوا لها الجواب، والجواب يكون بالعلم والعمل.
وهذه الأسئلة الثلاث هي: من ربك، وما دينك، ومن نبيك، فإن كان مؤمنا أجاب إجابة صحيحه، وإن كان منافقا أو كافراً قال: هاه هاه لا أدري.
وهذه الثلاث من أسباب دخول الجنة، عن أبي سعيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من رضي بالله ربا والإسلام دينا وبمحمد رسولا وجبت له الجنة.
فيا عبد الله إذا قيل لك:من ربك؟ فقل: ربي الله الذي رباني وربى جميع العالمين بنعمه، وهو معبودي ليس لي معبود سواه.
عرفناه بآياته ومخلوقاته، ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر، ومن مخلوقاته السموات السبع، والأرضون السبع، ومن فيهن وما بينهما. يقول تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ).
والرب هو: المعبود، الذي خلق كل شيء، والخالق هو المستحق للعبادة، فيجب صرف جميع انواع العبادة لله تعالى وحده، ومن صرف منها شيئا لغير الله فهو كافر مشرك.
ومن أمثلة العبادة :
الدعاء، والدليل قوله تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر:60].
والخوف فلا تخاف خوف عبادة وتعظيم إلا من الله قال تعالى: فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ .
ولا تتوكل إلا على الله، ( وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)
ولا تذبح تعبداً إلا لله، قال صلى الله عليه وسلم { لعن الله من ذبح لغير الله }.
هذا هو الأصل الأول، وهو معرفة العبد ربه.
أما الأصل الثاني: معرفة دين الإسلام بالإدلة.
فالإسلام وهو الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله، وهو ثلاث مراتب: الإسلام، والإيمان، والإحسان، وكل مرتبة لها أركان.
فأركان الإسلام خمسة: شهادة أن لا إله إلا الله لا معبود بحق إلا الله وحده، وأن محمداً رسول الله،
ومعنى شهادة أن محمداً رسول الله: طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع.
ومن أركان الإسلام كذلك: إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام.
أما المرتبة الثانية:
فهي الإيمان: وهو بضع وسبعون شعبة، فأعلاها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان.
وأركانه ستة: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وبالقدر خيره شره.
وأما المرتبة الثالثة:
فهو الإحسان وهو: ( أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ).
فاللهم ثبتنا على الإسلام واجعلنا من المحسنين
أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم......
الخطبة الثانية
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن ابتع هداه أما بعد:
بقي لنا الأصل الثالث: وهو معرفة نبيكم عليه الصلاة والسلام.
وهو محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم. وهاشم من قريش، وقريش من العرب، والعرب من ذرية إسماعيل بن إبراهيم الخليل، عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام. وله من العمر ثلاث وستون سنة، منها أربعون قبل النبوة، وثلاث وعشرون نبياً رسولاً. نبىء بـ اقْرَأْ وأرسل بـ الْمُدَّثِّرُ . وبلده مكة، بعثه الله بالنذارة عن الشرك، ويدعو إلى التوحيد. والدليل قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5) وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ (6) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ [المدثر:1ـ7].
ومعنى قُمْ فَأَنذِرْ ينذر عن الشرك ويدعو إلى التوحيد وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ عظمه بالتوحيد وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ أي طهر أعمالك من الشرك وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ الرجز: الأصنام، وهجرها تركها وأهلها والبراءة منها وأهلها، أخذ على هذا عشر سنين يدعو إلى التوحيد، وبعد العشر عرج به إلى السماء، وفرضت عليه الصلوات الخمس، وصلى في مكة ثلاث سنين، وبعدها أمر بالهجرة إلى المدينة.
فلما استقر في المدينة، أمر ببقية شرائع الإسلام، مثل الزكاة، والصوم، والحج، والأذان، والجهاد، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وغير ذلك من شرائع الإسلام. أخذ على هذا عشر سنين، وبعدها توفي، صلاة الله وسلام عليه، ودينه باقٍ.
وهذا دينه لا خير إلا دل الأمة عليه، ولا شر إلا حذرها منه، والخير الذي دلها عليه: التوحيد، وجميع ما يحبه الله ويرضاه. والشر الذي حذرها منه: الشرك وجميع ما يكره الله ويأباه، بعثه الله إلى الناس كافة، وافترض طاعته على جميع الثقلين: الجن والإنس.
قال تعالى: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً [الأعراف:158]. وكمل الله به الدين. قال تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً [المائدة:3]، والله أرسل جميع الرسل مبشرين ومنذرين.
( لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) [النساء:165] والرسل أولهم نوح عليه السلام، وآخرهم محمد -صلى الله عليه وسلم- وهو خاتم النبيين، وكل أمة بعث الله إليها رسولاً من نوح إلى محمد يأمرهم بعبادة الله وحده، وينهاهم عن عبادة الطاغوت.
قال تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ)
نسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يتولانا في الدنيا والآخرة، وأن يجعلنا مباركين أينما كنا، وأن يجعلنا ممن إذا أعطي شكر، وإذا ابتلي صبر، وإذا أذنب استغفر، فإن هؤلاء الثلاث عنوان السعادة.
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.