اعلموا عباد الله يرحمنا الله وإياكم أنه يجب علينا أن نتعلم أربعة مسائل مهمة توضح الدين الإسلامي وما يجب على المسلمين من أمور الدين:
الأولى من هذه الأمور: العلم، وهو يتضمن معرفة الله، ومعرفة نبيه، ومعرفة دين الإسلام،
وجاء في فضل العلم والتعلم نصوص كثيرة في الكتاب والسنة، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (من يرد الله به خيرا يفقه في الدين)، وعن قَيسِ بن كَثِيرٍ قال قَدِمَ رَجُلٌ مِنَ الْمَدِينَةِ إلى أبي الدَّرْدَاءِ وهو بِدِمَشْقَ فقال ما أَقْدَمَكَ أي أخي قال حَدِيثٌ بلغني أَنَّكَ تُحَدِّثُ بِهِ عن رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال أَمَا قَدِمْتَ لِتِجَارَةٍ قال لاَ قال أَمَا قَدِمْتَ لِحَاجَةٍ قال لاَ قال ما قَدِمْتَ إِلاَّ في طَلَبِ هذا الحديث قال نعم قال فإني سمعت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول من سَلَكَ طَرِيقاً يَطْلُبُ فيه عِلْماً سَلَكَ الله بِهِ طَرِيقاً إلى الْجَنَّةِ وَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ وَإِنَّهُ لَيَسْتَغْفِرُ لِلْعَالِمِ من في السماوات وَالأَرْضِ حتى الْحِيتَانُ في الْمَاءِ وَفَضْلُ الْعَالِمِ على الَعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ على سَائِرِ الْكَوَاكِبِ إِنَّ الْعُلَمَاءَ هُمْ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ لم يَرِثُوا دِينَاراً وَلاَ دِرْهَماً وَإِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ.
ثم إن تعلم ينتقل إلى الأمر الثاني الواجب على كل مسلم ومسلمة. وهو: العمل به.
فيعمل بما تعلم، فأنه لا يجوز أن يعبد الإنسان الله بجهل، بل لا يعرف مهمات التوحيد، ولا نواقضه إلا بالعلم، بل لا يعرف كيف يؤدي الصلاة ولا الزكاة ولا الصيام ولا الحج إلا بالعلم. قال البخاري رحمه الله تعالى: ( باب العلم قبل القول والعمل، والدليل قوله تعالى: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ. فبدأ بالعلم قبل القول والعمل ).
ثم إن تعلم يجب عليه أمر ثالث .
وهو: الدعوة إليه. وهي الوظيفة العظيمة التي من سلكها فقد سلك طريقة الأنبياء، لكن يجب ان تكون الدعوة إلى الله مقرونة بالعلم والعمل لا بالجهل والكسل، وتكون قائمة على الاتباع للسلف الصالح، لا تكون بالأمور المحدثة والوسائل الغير شرعية التي يقلدون بها الكفار. قال تعالى: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ).
ثم إن حقق هذا الامر الثالث وهو الدعوة إليه، علم يقيناً أنه سيبتلى في ذات الله فيجب عليه أن يحقق المسألة الرابعة وهي:
الصبر على الأذى فيه. فإن الإنسان مبتلى في دينه ليعلم الله هل هو صادق في تدينه وحبه لله ولرسوله أم كاذب في ذلك. (ألم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ).
وقد ابتلي الأنبياء والصالحون قبلنا فصبروا على ما أوذوا ففازوا وربحوا.
روى البخاري في صحيحه عن خَبَّابِ بن الْأَرَتِّ قال شَكَوْنَا إلى رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وهو مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً له في ظِلِّ الْكَعْبَةِ قُلْنَا له ألا تَسْتَنْصِرُ لنا ألا تَدْعُو اللَّهَ لنا قال كان الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ له في الأرض فَيُجْعَلُ فيه فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ على رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ وما يَصُدُّهُ ذلك عن دِينِهِ وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ ما دُونَ لَحْمِهِ من عَظْمٍ أو عَصَبٍ وما يَصُدُّهُ ذلك عن دِينِهِ والله لَيُتِمَّنَّ هذا الْأَمْرَ حتى يَسِيرَ الرَّاكِبُ من صَنْعَاءَ إلى حَضْرَمَوْتَ لَا يَخَافُ إلا اللَّهَ أو الذِّئْبَ على غَنَمِهِ وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ.
بل كان أشد الناس ابتلاء هم الأنبياء ثم من دونهم، روى أحمد وغيره عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي الناس أشد بلاء قال الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل يبتلى العبد على حسب دينه فإن كان صلب الدين اشتد به البلاء وإن كان في دينه رقة ابتلى على حسب ذلك فما يبرح البلاء بالعبد حتى يترك العبد ما عليه خطيئة.
وهذه المسائل الأربعة (العلم والعلم والدعوة والصبر على البلاء جمعتها سورة واحد من القرآن) وهي قوله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم: وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:1-3].
قال الشافعي رحمه الله تعالى: ( لو ما أنزل الله حجة على خلقه إلا هذه السورة لكفتهم).
أقول ما تسعمون .....
الخطبة الثانية
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه أما بعد:
ومن المسائل المهمة كذلك التي يجب على كل مسلم ومسلمة أن يتعلمها ويعمل بها، ثلاث مسائل:
الأولى: يجب على المسلم أن يعلم أنّ الله خلقنا ورزقنا ولم يتركنا هملاً، بل أرسل إلينا رسولاً، فمن أطاعه دخل الجنة، ومن عصاه دخل النار.
والدليل على هذه المسألة من القرآن قوله تعالى: إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً (15) فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبِيلاً).
وقد تضمنت هذه المسألة: وجوب الاتباع للنبي صلى الله عليه وسلم.
والمسألة الثانية: أن الله لا يرضي أن يُشرك معه أحد في عبادته لا ملَك مقرب ولا نبي مرسل.
وأدلة ذلك من القرآن كثيرة جداً ومنها قوله تعالى: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً) وهذه المسألة تضمنت: وجوب إخلاص الدين لله تعالى.
الثالثه: أن من أطاع الرسول ووحّد الله لا يجوز له موالاة من حاد الله ورسوله، ولو كان أقرب قريب.
والدليل قوله تعالى: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) إلى آخر الآية
فكانت هذه المسائل الثلاث متضمنت لوجوب الإخلاص لله ووجوب متابعة الرسول وأن يكون الولاء والبراء كله لله ومن أجل الله.
وهذه هي الملة الحنيفية ملة إبراهيم صلى الله عليه وسلم، وهي أن تعبد الله وحده مخلصاً له الدين، وبذلك أمر الله جميع الناس وخلقهم لها، كما قال تعالى: (وَمَا خَلَقتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلّا لِيَعْبُدُوِن)، ومعنى ِيَعْبُدُوِن يوحدون، وأعظم ما أمر الله به: التوحيد وهو إفراد الله بالعبادة وأعظم ما نهى عنه: الشرك، وهو دعوة غيره معه.يقول عز وجل: (وَاعْبُدُوا اللَّه وَلاَ تُشرِكُوا بِهِ شَيئاً).
فاللهم ثبتنا على التوحيد في الحياة والممات ....