تشديد الاسلام في تحريم الخمر : وتحريم الخمر يتفق مع تعاليم الاسلام التي تستهدف إيجاد شخصية قوية في جسمها ونفسها وعقلها ، وما من شك في أن الخمر تضعف الشخصية وتذهب بمقوماتها ، ولا سيما العقل ، يقول أحد الشعراء : شربت الخمر حتى ضل عقلي كذاك الخمر تفعل بالعقول وإذا ذهب العقل تحول المرء إلى حيوان شرير ، وصدر عنه من الشر والفساد ما لا حد له ، فالقتل ، والعدوان ، والفحش ، وإفشاء الاسرار ، وخيانة الاوطان من آثاره . وهذا الشر يصل إلى نفس الانسان ، وإلى أصدقائه وجيرانه ، وإلى كل من يسوقه حظه التعس إلى الاقتراب منه . فعن علي كرم الله وجهه : أنه كان مع عمه حمزة وكان له شارفان " أي ناقتان مسنتان " أراد أن يجمع عليهما الاذخر ، وهو نبات طيب الرائحة ، مع صائغ يهودي ويبيعه للصواغين ،
( 1 ) " فهل أنتم منتهون " . لما علم عمر رضي الله عنه أن هذا وعيد شديد زائد على معنى ( انتهوا ) ، قال : انتهينا . وأمر النبي صلى الله عليه وسلم مناديه أن ينادي في سكك المدينة : ألا إن الخمر ققد حرمت . فكسرت الدنان وأريقت الخمر حتى جرت في سكك المدينة .
ليستعين بثمنه على وليمة فاطمة رضي الله عنها - عند إرادة البناء بها - وكان عمه حمزه يشرب الخمر مع بعض الانصار ، ومعه قينة تغنيه ، فأنشدت شعرا حثته به على نحر الناقتين ، وأخذ أطايبهما ليأكل منها ، فثار حمزة وجب ( 1 ) أسنمتهما وأخذ من أكبادهما . فلما رأى علي ذلك تألم ولم يملك عينيه ، وشكا حمزة إلى النبي صلى الله عليه وسلم . فدخل النبي على حمزة ومعه علي وزيد بن حارثة فتغيظ عليه وطفق يلومه - وكان حمزة ثملا قد احمرت عيناه . فنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له ولمن معه : وهل أنتم إلا عبيد لابي . فلما علم النبي صلى الله عليه وسلم أنه ثمل ، نكص على عقبيه القهقرى ، وخرج هو ومن معه . هذه هي آثار الخمر حينما تلعب برأس شاربها وتفقده وعيه ، ولهذا أطلق عليها الشرع أم الخبائث . فعن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الخمر أم الخبائث . وعن عبد الله بن عمرو . قال : " الخمر أم الفواحش وأكبر الكبائر ، ومن شرب الخمر ترك الصلاة ، ووقع على أمه وخالته وعمته " . رواه الطبراني في الكبير من حديث عبد الله بن عمرو ، وكذا من حديث ابن عباس بلفظ " من شربها وقع على أمه " . وكما جعلها أم الخبائث أكد حرمتها ، ولعن متعاطيها وكل من له بها صلة ، واعتبره خارجا عن الايمان . فعن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " لعن في الخمر عشرة : عاصرها ، ومعتصرها ، وشاربها ، وحاملها ، والمحمولة إليه ، وساقيها ، وبائعها ، وآكل ثمنها ، والمشتري لها ، والمشترى له " . رواه ابن ماجه والترمذي . وقال : حديث غريب . وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا يزني
( 1 ) جب : قط .
الزاني حين يزني وهو مؤمن ، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ( 1 ) . رواه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي . وجعل جزاء من يتناولها في الدنيا أن يرحم منها في الاخرة لانه استعجل شيئا فجوزي بالحرمان منه . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من شرب الخمر في الدنيا ولم يتب ، لم يشربها في الاخرة ، وإن دخل الجنة