طالب محامٍ مصرى بإصدار فتوى شرعية بـ«عدم الاعتداد إلا بالطلاق الموثق على يد المأذون، كما يحدث في عقد الزواج، وأنه لا قيمة للطلاق اللفظي الذي يجب اعتباره باطلاً طالما لم يقم الزوج بتوثيقه». المحامي الذي تقدم باقتراحه إلى مفتي الديار المصرية الدكتور علي جمعة قبل أيام، استند إلى دراسة شرعية أعدها بنفسه تؤكد أن النظام المعمول به في الطلاق بمصر حالياً يخالف أحكام الإسلام. فما هي هذه الأدلة الشرعية التي يستند إليها صاحب هذا الاقتراح؟ وما هي آراء علماء الأزهر في اقتراحه؟
أمام مكتب مفتي مصر الدكتور علي جمعة الآن اقتراح من المحامي سعيد أمين أباظة يقضي بضرورة توثيق الطلاق حتى يقع، وعدم الاعتراف بالطلاق اللفظي. ويضم الاقتراح مجموعة من الأسانيد الشرعية. ويقول المحامي في اقتراحه هذا: «أعددت دراسة شاملة حول ضرورة توثيق الطلاق في عقد على يد المأذون الذي يوثق عقد الزواج، وقدمتها إلى مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر، إلا أنه لم يناقش القضية، وهذا ما جعلني ألجأ إلى المفتي طالباً منه إصدار فتوى تؤيد مقترحي الذي أرفقته بالدراسة التي تستند إلى الأدلة الشرعية التي تؤكد أن عدم توثيق عقود الطلاق يجعلها باطلة شرعاً».
وأوضح أنه يطالب في اقتراحة بأن يعطى المأذون الشرعي فترة، يتولى فيها التوفيق بين الزوجين قبل الطلاق، منوهاً بأن دراسته تهدف التأكيد أنه «مثلما لا زواج إلا عند موثق بشاهدي عدل، فإنه لا طلاق إلا عند موثق وبشاهدي عدل، وما دون ذلك لا يعد زواجاً ولا طلاقاً».
وأضاف أباظة: «أهدف من اقتراحي أيضاً إلى سد باب المفسدة في ظل غياب الضمير الإنساني، حيث أصبح لفظ الطلاق يصدر من الزوج غالباً لأسباب اقتصادية أثناء ثورته، وما أن تهدأ نفسه حتى يندم على ما تلفظ به. ولهذا أطالب بألا يقع الطلاق إلا بشهادة شهود، وفي حالة طهر الزوجة أي في فترة غير فترة الحيض، وبالتالي فإن لفظ الطلاق الذي يصدره الزوج في مواجهة زوجته بقوله لها: «أنت طالق»، في خلوة بينه وبينها من دون شهود أو التأكد من طهرالزوجة لا يقع شرعاً».
وتابع: «اقتراحي يستند إلى أسس شرعية اذ انه لا توجد آية واحدة في القرآن الكريم توجب الإشهاد على الزواج، بينما هناك آيات تؤكد الإشهاد صراحة في الطلاق، أهمها آيات في أول سورة «الطلاق» (الآيتان ١ و ٢) في قوله تعالى:
«يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا»
وقد طبق ذلك أئمة أهل البيت وعلى رأسهم الإمام علي بن أبي طالب، فقد جاء في كتاب «جواهر الكلام» عن الإمام علي أنه قال لمن سأله عن الطلاق: «أأشهدت رجلين عدلين كما أمر الله عز وجل؟ قال الرجل: لا. فقال له الإمام علي: اذهب فليس طلاقك بطلاق».
وختم المحامي كلامه قائلاً: «نحن في حاجة الى فتوى تقرر عدم وقوع الطلاق إلا أمام مأذون، وبشهادة شاهدي عدل، بعدما فسدت الذمم وأصبحت الكلمة تجري على ألسنة العامة كذباً من دون أن يكون لها مصداقية».
View Pictures
ضمان للحقوق
من جهته، قال الدكتور محمد رأفت عثمان العميد السابق لكلية الشريعة والقانون وعضو مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر: «كلمة الطلاق يهتز لها عرش الرحمن لعظم ما يترتب عليها من آثار حيث تنهار أسر وتشرد أطفال، إذا لم يكن المطلقون والمطلقات يتقون الله في أولادهم. ومن المؤسف أن عدم خشية الله لدى بعض الأزواج جعل شرع الله لعبة في أيديهم.
وهؤلاء ينطقون بكلمة الطلاق مرات ومرات من دون أن يعلموا تبعاتها الدينية من تحريم زوجاتهم عليهم بعد الطلقة الثالثة، حتى تتزوج بغيرهم زواجاً كاملاً يعقبه طلاق. ولهذا فإن اشتراط توثيق الطلاق مثل الزواج لضمان جدية الزوج وتنفيذه للآثار المترتبة عليه من نفقة للمطلقة وأولادها اقتراح مقبول عقلاً، ولكنه يحتاج إلى مزيد من البحث والنقاش من الفقهاء والقضاة، لدرس القضية من كل جوانبها الشرعية والقانونية».
View Pictures
يقلل من الطلاق
وأشارت الدكتورة عفاف النجار عميدة كلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر إلى تحذير الإسلام من الطلاق الذي يعتبره الحل الأخير في حال استحالة الحياة الزوجية، فيكون كما يقولون: «وآخر الدواء الكي»، ولهذا وصفته السنة النبوية بأنه «أبغض الحلال عند الله»، لأنه يعد هدماً لأسمى رابطة وضعها الله في الأرض وهي الزواج الذي وصفه الله بقوله: «وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً» (آية ٢١ سورة النساء).
وشددت على ضرورة أن يكون لأئمة الإسلام موقف حازم وأشد قوة في رفع الظلم عن الزوجة التي أبتليت بزوج «مطلاق»، أي كثير الطلاق، لتلفظه بكلمة «الطلاق» حتى في أوقات الفرح وليس وقت الغضب فقط، داعية إلى توضيح عظم الجريمة التي يرتكبها هؤلاء الأزواج جراء الاستهانة بكلمة الطلاق، حتى لا يتم التلفظ بها إلا إذا كانت هناك نية أكيدة لإنهاء الزواج عن طريق توثيق الطلاق بشاهدي عدل وإقرار الزوج ليتم الاتفاق على الحقوق والواجبات المتعلقة بما بعد الطلاق، حتى لا يتم تعذيب المرأة باسم الدين وهو من ذلك براء.
وطالبت النجار «علماء المجامع الفقهية في العالم الإسلامي ـ كله وليس في مصر فقط ـ بدراس هذا المقترح باعتبارأن الطلاق مشكلة تعانيها الزوجات في كل الدول الإسلامية، على أن تكون فتوى هذه المجامع ملزمة لكل الدول لتغير قوانينها».
View Pictures